كان يوم 25 يناير 2011 حلمًا شكك فيه الجميع وفى إمكانية تحقيقه، ولم يكن أكثر المتفائلين يحلم أن يتحول هذا اليوم إلى تاريخ فى ذاكرة الوطن، ولكن الآن هل ظل نفس الحلم الذى تحول إلى حقيقة يوما رائعا لدى الكثيرين أم تغيرت نظرة البعض له وتمنوا لو أنه لم يمر علينا بأحداثه ونتائجه، وما الدافع إلى ذلك، بل ماذا تغير فينا منذ 25 يناير حتى انقسمنا عند 30 يونيو 2013؟
عامان وخمسة أشهر تبدلت فيها أحوال وتغير نظام حكم، ووجوه كانت خلف القضبان اعتلت المسرح السياسى، ووجوه كانت حاكمة تقطن الزنازين، فهل استفاد الحاكمون الآن من دروس التاريخ حتى لا يتمنى الكثيرون من أبناء الوطن لو أن الزمن قد توقف عند 25 يناير 2011، فلم نفقد أرواحًا ضاعت ولم ينل قاتلوها جزاءهم حتى اليوم ولا يعلمهم إلا الله، وأرواح أخرى تنتظر الخوف من 30 يونيو الحالى القادم لنا بلون الدم ورائحة الموت ودخان الفُرقة والبغضاء وأصوات الانقسام.
أى أوزار يحملها أبناء الوطن تجاه مصر وهى تئن من هول الصراعات ونار الفتن فلا هى ثارت واستراحت ولا هى رضيت وصبرت على كل بلاء وفساد. وهل لو كانت تعلم الغيب الحاضر لاختارت حينها الواقع، وأى واقع كان بطعم المرارة والأسى تمناه البعض اليوم كأفضل من حاضر لم يتغير شعرة عن سابقه، فضياع العدل واستبداد الحرية بعد ظهور نسائمهما واستبشار الأمل أقسى على النفس من مجرد الحلم بالحرية وانتظارها. الحرية الصورية والديمقراطية المزعومة والثورة الضائعة والحصاد التائه والأمن المفقود والعدالة المغيبة هى عناوين المرحلة الحالية وهى نتاج 25 يناير 2011 التى أوصلتنا إلى ساحة الوغى ودق الطبول إيذانا بالوصول إلى يوم 30 يونيو لينقسم الوطن بين فريقين، أحدهما يتمناه تصحيحا آخر لثورة لم تنته بعد أن ضلت طريق البداية فأسلمت الزمام والقيادة لحكم فاشى جديد، وكأنها فقط استبدلت أسماء ووجوها دون تحقيق حلم التغيير للأفضل، وفريق مضاد ينتظره لوأد الفريق الأول وزيادة التمكين خوفا من ضياع الفرصة التى جاءته دون عناء يذكر ووضعته الأقدار فى مقدمة الركب، فهل يستسلم بسهولة ليسدل بنفسه ستار النهاية على حلم يضيع بغباء سياسى لم يحسن فيه استثمار اللحظة بعد أن أخل بكل وعوده قبل عام كامل عن المشاركة لا المغالبة، وأطلق العنان والعفو لأيدٍ كانت يوما ملطخة بدماء أبناء الوطن ليستأسد بهم الآن ويصبحون سيفه على رقاب من يعارضه، ما أشبه الليلة بالبارحة ونحن أمام نظام حكم لم يتعلم من خطأ سابقيه وكل دوره أن ينتظر ويخطط كيف ينتصر لا أن يجمع الشمل وينقذ المركب قبل الغرق بمن فيها من مؤيد ومعارض، وما أسهل الحل لو خلصت النيات، ولكن عبثا أن نطلب الغيث من غريق كمن يستجير من الرمضاء بالنار، ماذا لو نزع الرئيس الحاكم ثوب انتمائه على باب القصر يوم 30 يونيو 2012 وبدأ العمل على جمع القلوب حوله التى وقفت معه من معارضيه اليوم ورأت فيه الجانب الثورى ضد مرشح انتمى إلى جيل النظام السابق، فكان الخوف على الثورة حينها وأصبح اليوم الخوف على الوطن نفسه ممن أتى به الصندوق فى غفلة، كم من المصريين من انتخبه قبل عام يشعر بالندم اليوم على انتخابه؟! وكم من انتخبه يتمنى لو أن الثورة ما بدأت حتى يتجنب الوطن بحور دم يراها فى الآفاق؟! لا أرى أبدا أن يوم 30 يونيو هو نهاية فريق يعارض، لكنه بداية طريق طويل لشعب عرف الطريق وقرر أن لا يصبر مرة أخرى على حاكم تخلى عنه عدله وغلب عليه انتماؤه وضاع منه وفاؤه وتناسى وعوده واستمرأ زهوة السلطة وعشق منظر الحراس وهم يلهثون أمامه وخلفه وحوله ولا ينقصهم إلا أن يقفوا فوق رأسه وتحت قدميه يحرسونه، حتى فى مساجد الله فنسى الأمان حتى بين يدى ربه رغم اعتقاده أنه أجاد وأفاض، وكأنه لا يسمع ولا يرى إلا ما يحب أن يرى ولا يخطب إلا فى من يخطب ودهم ويستعذب مناظرهم وهم يجتمعون فى جماعات ليهتفوا له وينصرفون كما أمروا، فلا هم زرعوا ولا حصدوا، لكنهم مغيبون كما جاؤوا عادوا من حيث أتوا بهم فى حافلاتهم، وماذا بعد 30 يونيو القادم وكيف سيكون الحصاد بين فريقين أبدا لن يلتقيا حتى فى حب وطن، ومن منهما سيتنازل مرغما مقهورا مدحورا أمام الآخر؟ هل من معه السلطة يتشبث بها ويرى الموت دونها ولا يريد ولا يرى غير نفسه ومن معه؟ أم من خرج غاضبا ليسترد ثورته ومعه دماؤه التى يروى بها أرض الوطن طلبا لحرية غابت وثورة خابت، بعد هذا اليوم ما أحوجنا إلى عدل عمرى نام آمنا فى ظل شجرة متدثرا لحاف عدله وقوة إيمانه وضياء عزمه وثقته بالله وفى يديه سوط لا يفرق بين أخ وإخوان وبين مسلم وذمى فنشر الأمن والأمان وأضاء بعدل الإسلام الحقيقى الأكوان فلم يخرج له مؤيدون ومعارضون يتقاتلان ويتنازعان يوما كيوم 30 يونيو بحثا عن عدل وعيش وحرية وأمان.