تعاملت سفيرة الولايات المتحدة فى القاهرة مع مصر باعتبارها صورة من باكستان، وتعاملت مع المصريين باعتبارهم مجموعة بشرية مغلوبة على أمرها سوف تسلم بالأمر الواقع وترضخ لحكم الجماعة، ومن ثم روَّجَت السفيرة الأمريكية بالقاهرة لمقولات من قبيل أن الاخوان سوف يستمرون فى السلطة لعقود طويلة قادمة، ومن ثم فإن الاتفاق معهم يصبّ فى مصلحة الولايات المتحدة. أبرمت السفيرة الصفقة فقالت للجماعة: «لكم ما شئتم داخل بلدكم، افعلوا بشعبكم ما تريدون، افرضوا من القيود ما ترغبون، ونحن سوف نغضّ البصر عن كل ما تفعلون، لن نتحدث عن ديمقراطية ولا حقوق إنسان، لا حديث عن حرية رأى وتعبير، ولا حرية فكر واعتقاد، ولا ذكر لحرية المرأة، سوف نردد ما تقولون من خصوصية ثقافية لكم، مقابل ذلك تتعهد الجماعة برعاية مصالح الأمريكية فى المنطقة، التكيف التام معها، ضمان أمن إسرائيل وحرية الملاحة فى قناة السويس».
أبرمت السفيرة الأمريكية فى القاهرة الصفقة مع الجماعة وبدأت تنفتح على الأحزاب السلفية فى محاولة لضمان استمرار الصفقة فى حال تقدم التيار السلفى على حساب الجماعة، فقد كان تقدير السفيرة أن القوى المدنية هامشية، ضعيفة، ممزقة ومتصارعة، ومن ثم فإن القوة الثانية المرشحة لمنافسة الإخوان هى التيار السلفى، ويبدو أن السيدة باترسون بَنَت توقعاتها على نتائج الانتخابات البرلمانية الأولى واعتبرتها نتائج دالة على توجُّهات المصريين وأن هذه النتائج لن تتغير كثيرًا فى المستقبل.
هناك الكثير من الأسرار والخبايا وراء الانتخابات الرئاسية والقصة الحقيقية لإعلان فوز الرئيس مرسى، هناك الكثير الذى سوف يُكشَف عنه فى المستقبل القريب لا سيما الدور الذى لعبته السفيرة الأمريكية فى الضغط على المجلس العسكرى لإعلان فوز مرسى بالمنصب وعدم التحقيق فى الانتهاكات التى وقعت إبان العملية الانتخابية، كانت السفيرة تريد تمكين الجماعة من السلطة ومن مصر ككل حتى تنجح «طبختها» الباكستانية، وتمكِّن الجماعة من السيطرة على مصر، وربما المنطقة ككل، لحسابات تتلعق بتقدير السفيرة للدور الذى ستلعبه هذه الجماعة فى رعاية المصالح الأمريكية فى المنطقة.
نجحت خطة السفيرة واستجاب المجلس الأعلى للقوات المسلحة برئاسة طنطاوى لضغوط السفيرة وأعلن فوز مرسى بمنصب الرئيس، وما إن بدأ الدكتور مرسى فى ممارسة مهام منصبه حتى ألقت السفيرة بثقلها خلفه، بدأت تكثف من الدعم المباشر لمرسى والجماعة، نجحت فى دفع وزيرة الخارجية هيلارى كلينتون فى الإعلان عن الدعم الكامل لمرسى لا سيما بعد أن نجح الأخير فى إبرام الصفقة بين إسرائيل وحركة حماس، الفرع الفلسطينى للجماعة، جاءت كلينتون إلى القاهرة وفى كل مرة كان مرسى يتخذ قرارات خارج سياق التوقعات، فى المرة الأولى، فى أغسطس ٢٠١٢، اتخذ قراره بإقالة المشير طنطاوى والفريق عنان عكس ما كان يقضى التفاهم بينهم أن يجرى التغيير بشكل طبيعى ومن خلال تشكيل حكومة جديدة بعد الانتخابات البرلمانية، وفى المرة الثانية جاءت السيدة كلينتون وبعدها أصدر مرسى الإعلان الدستورى الذى تسبب فى موجة ضخمة من الاحتجاجات الدموية العنيفة التى بدأت معها المواجهات وانفراط عقد القوى المؤيدة لمرسى.
بدأ مرسى يعانى المشكلات وبدا عاجزا عن إدارة البلاد، فى نفس الوقت لملمت المعارضة أجزاءها وشكلت جبهة الإنقاذ الوطنى. هنا بدأت السفيرة الأمريكية فى القاهرة فى تكثيف جهودها الداعمة لمرسى والجماعة، كانت تصر على أن المعارضة ممزَّقة ولا يمكن الرهان عليها، كانت تحثّ الجماعة على تقديم مزيد من التنازلات لإسرائيل من أجل كسب ود وتأييد الإدارة الأمريكية، وتفاخرت الجماعة بأن واشنطن معها وكثرت الزيارات إلى واشنطن من قِبل قيادات الجماعة.
جاء التغير فى الموقف الأمريكى بعد زيارة وزير الخارجية الأمريكى الجديد جون كيرى إلى القاهرة، فقد جاء الرجل ليكتشف أن مصر ممزَّقة وأن مرسى وجماعته عاجزون عن إدارة البلاد، فشل كيرى فى الوصول إلى مطار القاهرة فى الموعد المحدَّد فقد قطع الشباب الثائر الغاضب من السياسة الأمريكية الداعمة للجماعة الطريق وعطلوه نحو ثلاث ساعات واضطُر إلى الدخول من إحدى بوابات قرية البضائع، وغادر كيرى القاهرة بعد أن اكتشف خديعة سفيرته فى القاهرة وأن ما تكتبه السفيرة فى تقاريرها لا علاقة له بالواقع، هنا بدأت واشنطن تعيد تقدير موقفها من مصر وحكم الجماعة، وهو ما أغضب السفيرة التى شعرت أن مشروعها يتهاوى وأن سمعتها كمروِّضة لجماعات الإسلام السياسى قد تلاشت وأن خلطتها الباكستانية لم تعُد صالحة لدول أخرى، فبدأت تلقى بكل ثقلها وراء مرسى والجماعة فى محاولة لإثبات سلامة موقفها وتقديراتها. نواصل غدا بإذن الله.