كلما شاهدتُ مرسى تذكرتُ مشاهدَ بعينها، أدّاها بعبقرية الكوميديان العظيم، فؤاد المهندس. زكريا موافى، فى مسرحية «سُكّ على بناتك»، يأمر فؤاد المهندس أن يجلس. فيجلس. لكن الآمرَ يعيدُ الأمرَ: «اقعدْ!» ونظرًا لهيبة «الآمر»، وضعف شخصية «المأمور»، يصدق الأخير أنه لم يجلس بعد. فيمعن فى القعود، وظل يحكّ مؤخرتَه فى مقعد الكرسى، وهو يقول: «أنا قاعد، أنا قاااعييد!» ثم يرفع قدميه من على الأرض، ليؤكد لنفسه أنه «قاعد». هكذا العزيز مرسى. كلما هلّ علينا فى خُطبة، يظل يردد: «أنا رئيس، أنا رئيس، والله العظيم أنا رئئئئيييسسس!» لأنه، مثلنا، لا يصدق أنه رئيس مصر. فيظل يؤكد «بالكلام»، والحركات (فتح القميص- التلويح فى الهواء- الإشارة بالأصابع، والتوعّد بقطع الأيدى والرؤوس..إلخ) ما لم يستطع إقناعنا به «بالفعل والسلوك»، بينما لو أنجز «مهام» الرئاسة، لأغنته عن الكلام.
أما «صبيان» مرسى، فيذكروننى بالبودى جارد الخاص بسلامة إلياس فى مسرحية «أنا وهو وهى». «أنا مين ياااااض؟» فيصمت عادل إمام، لأن السائل «نكرة» غير معروف، فيجيب السائل مشدّدًا: «أنا ميمو يااااض! أنا ميموووو!».
ظهر على واقعنا الراهن العديد من «ميمو». مجموعة من القتلة الإرهابيين خرجوا من ظلام الكهوف، إذ فجأةً وجدوا أنفسهم ضيوفًا على شاشات الفضائيات وأصحاب مواقع سيادية على شعب عزيز سيّد يستحق الحياة. أرواحهم مشبّعة بداء «بارانويا» (الشعور بالاضطهاد)، تلازم معها «ميجالومانيا» (جنون العظمة). فطفحت من أفواههم أقوالٌ سخيفة مضحكة يعاقب عليها القانون مثل: «سنسحقهم- سنحرقهم- سنصنع بحار دماء..إلخ». أما المعْنِيُّ بالسحق والحرق، فليس إلا هذا الشعب العظيم الذى أخطأ بجعل هؤلاء يسكنون النور بعد سراديب الظلام.
أفهم أن يخرج الشعبُ «ليتمرد» على حاكم ظالم قاتل لا يصح أن يكون رئيسًا لدولة عظمى كمصر، أما أن يرسل هذا الرئيس صبيانه ليناصروه وهو بالفعل جالسٌ على مقعد الحكم؛ فما أشبه هذا بفؤاد المهندس الذى يحكّ مقعدته فى الكرسى ليؤكد أنه «قاعد»، لأن أحدًا لا يصدق أنه «قاعد»! هم لا يصدقون أن مرسى رئيسٌ فقد شرعيته، فخرجوا ليقدموا استعراضات قتالية بهلوانية ليؤكدوا لأنفسهم أنه «لسه قاعد» على الكرسى.
وشتّان بين فؤاد المهندس، الفنان الراقى الذى قدّم كوميديا الموقف فى أرفع صورها، وبين ممثل فاشل مضجر، لم يقنعنا يومًا بأنه يصلح لإدارة دكان صغير لبيع الحلوى. وما أشبه مطبلاتية مرسى بـ «ميمو»، الذى يلبس تى شيرت مخططة مثل عصابة القناع الأسود فى ميكى. «أنا مين ياااااض؟»، «أنت ميمو يا سيدى، ارتحت؟» موعدنا 30 يونيو.