أصعب شىء أن يدخل نظام أو حزب أو جماعة فى مسار لا يستطيع فيه أن يراجع مواقفه وتوجهاته، ويدفع الجميع إلى مسار كارثى سندفع فيه جميعا ثمن أخطائه وكوارثه.
هذا فى الحقيقة ما ينطبق على حكم الإخوان الآن، فلا أحد يتصور أن مطالبة رئيس منتخب بالتنحى عن السلطة من قبل قطاع واسع من المصريين بعد عام واحد فقط من حكمة أمر سهل، ولن تكون له تبعات سلبية كثيرة على مسار هذا البلد ومستقبله، إلا أنه رغم الأخطاء الجسيمة التى وقعت، ومازالت تقع فيها المعارضة، فإن أداء الإخوان ومسؤوليتهم عما وصلت إليه البلاد هائلة.
صحيح أن هناك من يكره الإخوان لأنهم إخوان، وهناك من لديه موقف نفسى من التيار الإسلامى، ولا يفضل أن يراه إلا فى السجون، تماما مثلما هناك إسلاميون يخلطون خلافهم السياسى مع القوى المدنية بالدين، ويعتبرونهم بالحد الأدنى ناقصى إسلام وبالحد الأقصى غير مسلمين.
ورغم وجود هؤلاء هنا وهناك، فإن السؤال: كيف عمق الإخوان جروحهم مع الناس، وكيف أنهم على مدار عام فعلوا فى كل خطوة عكس المطلوب منهم؟
الحقيقة أن هناك خوفا حقيقيا وريبة مؤكدة لدى قطاع واسع من الشعب المصرى من جماعة الإخوان المسلمين حتى من قبل وصولها للسلطة، وأن خبرة التجارب الناجحة كانت تقول إن هذه الجماعة القادمة من خارج الدولة ووضع تنظيمها المحكم حواجز بينها وبين المجتمع كان عليها أن تبدأ بإصلاح هذه المؤسسات وليس هدمها أو الانتقام منها، مثل وضع نائب عام عن طريق السلطة التنفيذية وليس مجلس القضاء، والتمسك بحكومة فاشلة تسيطر عليها جماعة الإخوان المسلمين، وحركة محافظين أفشل تضم إخوانا مسلمين ومتطرفين من أعداء للسياحة فى بلد السياحة الأقصر، والفشل الكارثى فى إدارة كل الملفات الخارجية.
هذه الخيارات تصور الإخوان أنها أمور تفصيلية وقالوا: ماذا يعنى وجود 11 وزيرا إخوانيا؟ وماذا يعنى تعيين محافظين إخوان، وماذا يعنى وجود نائب عام تعينه الجماعة، وأخذوا فى تجزئة الأمور وإدخال النقاش فى تفاصيل ودهاليز صغيرة (نغير وزيرا أو محافظا)، ونسوا أن كل هذه الممارسات صبت فى نسج صورة أكبر لدى الناس بأن هذه الجماعة لا ترى إلا مصلحتها ومصلحة أعضائها، وليست لها علاقة بمصالح الشعب المصرى، واعتبروا أن هناك دولة الإخوان فى مواجهة دولة مصر، وهناك نظام الإخوان فى مواجهة الشعب المصرى، وهو حاجز وواقع عمقه الإخوان كل يوم، وهم متصورون أن المشكلة فى شخص رئيس الوزراء وليس فى الإصرار على التمكين والسيطرة قبل حتى وجود أغلبية فى البرلمان.
نعم لهذه الدرجة يشعر قطاع واسع من المصريين بغربة حقيقية عن حكم الإخوان، ويشعر آلاف من ضباط وأفراد الشرطة بأن الرئيس وجماعته متواطئون مع من يقتلونهم، ويشعر القضاة بأن الإخوان يردون جميلهم طوال فترة مبارك بالانتقام منهم وتصفية الحسابات مع قادتهم، والجيش لولا انضباطه ومهنيته والحسابات الدولية والإقليمية التى تحكم تحركاته لكان انقلب على حكم الجماعة.
لم ير الإخوان طبيعة المشكلة فهى أعمق بكثير مما يتخيلون وتاهوا فى الحديث عن الإعلام المضلل ومؤامرات المعارضة والقلة المندسة، ونسوا أن مشكلتهم فى الصورة الذهنية التى يرى بها الناس الجماعة، وهى أمور لا تحتاج إلى إصلاحات ديكورية، إنما إلى تغييرات جذرية عجزت الجماعة عن إجرائها.