الاستضافة الأخيرة للسفيرة الأمريكية آن باترسون فى الرواق الأسبوعى لمركز ابن خلدون غامضة، وسبب الغموض هو علاقة التوقيت مع اقتراب الهبة الشعبية المنتظرة لإسقاط الرئيس محمد مرسى، والتخلص من غباء وفشل الإخوان المسلمين المغلف بديكتاتورية الاستحواذ، حيث بدت باترسون وكأنها ستعطى للشعب المصرى -العجوز الذى أسس للحضارة الإنسانية من سبعة آلاف سنة قبل أن تولد دولتها التى أباد مؤسسوها السكان الأصليين- تعليمات تعبر عن رأى حكومتها الاستعمارية التى تتماشى مصالحها فى هذه المرحلة فى أن يحكم الإخوان المسلمون، وليذهب الشعب المصرى إلى الجحيم، فى سبيل أن يبقى هؤلاء الأتباع المنبطحون لإرادة الراعى الأمريكى.
ترى سيادتها أن الاحتجاج السلمى أمر مشروع، لأنها لو قالت غير ذلك ستنفى تماما المفاهيم التى تتأسس عليها دولتها، لكنها استطردت سريعا، منوهة إلى أن ذلك لا يجب أن يرتبط بتغيير السلطة، لأن ذلك لن يؤدى إلى ديمقراطية مستقرة، متناسية ومتجاهلة بأن الحكومات المتعاقبة فى بلادها تآمرت طبقا لما تم إعلانه رسميا أو تم إفشاؤه، وأسقطت حكومات منتخبة ديمقراطيا بإرادة كاملة من شعوبها، وهذه الحكومات كانت تراعى مصالح مواطنيها وليس مصالح الولايات المتحدة الأمريكية، وللتدليل على هذا على سبيل المثال لا الحصر مؤامرتها مع الجنرالات الخونة عملائها فى جيش شيلى، التى انتهت بإسقاط سلفادور الليندى، وما أسفر عن هذا الانقلاب المخطط والمدعم من الحكومة الأمريكية من ضحايا عبارة عن عشرات الآلاف من القتلى ومئات الآلاف من المصابين والمشردين، بينما الحكومة فى واشنطن التى تدعى الدفاع عن حقوق الإنسان «ودن من طين وودن عجين»، إذن فلا داعى أن تعطينا السيدة باترسون دروسا حول الديمقراطية، وإذا كانت سيادتها جادة ومخلصة بصفة شخصية فى إيمانها بالديمقراطية، فعليها أن تتوجه بالنصيحة إلى حكومة بلادها التى تضرب بالديمقراطية عرض الحائط خارج حدودها، وهذا تصرف لا أخلاقى لا يقيم وزنا لإنسان الشعوب الأخرى. أم عن حكاية أن مرسى يجب أن يأخذ فرصته، لأن مبارك استمر ثلاثين عاما، فهذا قول باطل يراد به باطل عميق، فسيادتها ليست عبيطة سياسيا بالتأكيد، ولكنها تستعبط وتريد استهبالنا، فهى تعرف جيدا جدا أن مبارك توارث نظاما للحكم لم يكن الرئيس يغادره إلا إلى القبر، أما الدكتور مرسى فقد جاء بعد انتفاضة شعبية عظيمة، بدد المجلس الأعلى للقوات المسلحة أهدافها النبيلة بسبب هرم المشير طنطاوى ورضوخه لتعليمات واشنطن وتهديدات الإخوان المتواطئين كلية مع الأمريكان، طبقا لما أعلنوه هم أنفسهم مما انتهى بتولى مرسى وظيفة رئيس الجمهورية تحت إدارة الاخوان، لتبدأ رحلة مريرة من الفشل والإخفاق على كل الأصعدة الداخلية والخارجية من عينة تلك الإخفاقات التى كانت ترعاها فى باكستان المتشرذمة تحت راية الإسلام السياسى الذى تؤيده وتستمسك به الآن فى مصر باترسون وحكومتها لأهداف خبيثة لا يتسع المجال لذكرها. وعن الاستقرار، فنحن أدرى به منك ومن حكومتك يا سيدة باترسون، لأننا فى مرحلة انتقالية نريد فيها كشعب أن نتقدم بانتفاضتنا نحو ثورة تحقق أمانينا وغاياتنا التى لا تتلاقى مع أمانى وغايات الولايات المتحدة الأمريكية وأتباعها من الإخوان المسلمين، لقد ثرنا يا سيدة باترسون على احتكار مبارك للسلطة ثلاثين عاما، ولأن الإخوان يريدون احتكارها للأبد كما فى عقيدتهم غير المعلنه، نثور عليهم بسبب أننا لم نعد نقبل بالاحتكار والاستحوذ والمغالبة التى يريدون فرضها علينا.
أما موضوع العلاقات الطيبة التى تجمعها ببعض قيادات الجيش المصرى حاليا، والتى تتقابل معهم، فهذا دليل دامغ على تدخل كريه فى الشأن الداخلى، لم يحدث من قبل فى أى من عهود الملكية أو الجمهورية السابقة، وهذا مناف لقواعد العلاقات الصحيحة بين الدول، لكن مصر الآن فى مرحلة سيولة خطيرة تستغلها العناصر الأمريكية على اختلاف مسمياتها داخل مصر، والجانب الوحيد المطمئن أن العسكريين المصريين ذوو نشأة وتوجه وطنى، لكن الحرص واجب، لا سيما أن واشنطن ترفض أى دور للقوات المسلحة فى المرحلة القادمة، وهذا أمر لا علاقة للأمريكيين به، فهذا شأن داخلى، وعلى سبيل المثال لو استغلت عناصر الإسلام السياسى مظاهرات القوى الوطنية وواجهتها بالعنف الذى سيتم الرد عليه بالتأكيد، ثم تطور الموقف إلى اشتباكات على نطاق واسع يهدد بحرب أهلية، هنا سوف يمتثل الجيش لمصلحة الوطن وليست تعليمات باترسون التى تتجاهل أن الهدف من حملة «تمرد» هو إقصاء مرسى والإخوان بإرادة شعبية ضد الإرادة الأمريكية التى تريد أن يستكمل الإخوان باقى المهام المكلفين بها.