لا تنشغلوا بأعداد الأجساد.. وإنما انشغلوا بأعداد العقول التى تحتويها الجماجم القابعة على أكتاف تلك الأجساد..
لا تنشغلوا بأعداد الحشود.. وإنما انشغلوا بالطريقة التى احتشدت بها تلك الحشود.. انشغلوا بهل احتشدوا من تلقاء أنفسهم بإرادتهم الحرة الكاملة أم أن أحدا قد شحنهم فى أتوبيسات – لا نعلم بالظبط كيف تم توفير البنزين لها فى ظل تلك الأزمة الطاحنة التى تعانى منها البلد الآن – إلى ساحة الفرح المنصوب على شرف الجماعة للإحتفال بفشلها الذريع فى إدارة الدولة.. ذلك الفرح الذى حرص جميع المتملقين والمستفيدين على تنقيط العريس فيه على خلفية من الهتاف الشهير الذى بدأ بمسحوق غسيل حتى وصل إلى من يفترض فيه أنه رئيس دولة.. مورسااااااااى مورساااااااى.. أوو أوو..
لا تنشغلوا بما يقال وانما انشغلوا بمدى صدقه ومنطقيته من عدمهم.. فها أنتم أمام قاتل الرئيس السادات وهو يتحدث عن نبذ العنف اللى ما حدش اصلا جاب سيرته بخلاف المشحونين فى أتوبيسات من مزيج غريب من غلابة ومساكين على إرهابيين وقتلة سابقين لينبذوه.. قاتل السادات ينبذ العنف على خلفية الهتاف الذى صار مبتذلا تماما.. «سلمية.. سلمية».. ها أنتم أمام سارقى الثورة وهم يهتفون.. «ثوار أحرار.. هنكمل المشوار».. ها أنتم أمام من قاموا بإقصاء الشعب المصرى ثم أخذوا يتحدثون بعد ذلك عن أنه لن يقصى أحدا أحد فى تلك البلد.. ها أنتم أمام من يتهمون المعارضة بالإستقواء بالخارج وبالغرب على الرغم من أنهم لم يجيئوا أصلا إلى الحكم سوى بأوردر من أمريكا وصفقة مع المجلس العسكرى.. وعلى الرغم من أن رجلهم الخارق خيرت الشاطر كان لسه قبلها بيوم قاعد مع آن باترسون الأمريكية فى مكتبه..
لا تنشغلوا بالزعيق والجعير والعروق النافرة.. فالأفورة فى الآداء لا تصنع فيلما جميلا.. بل على العكس.. الأفورة فى الآداء لا تعنى سوى الإفتقار للموهبة.. لا تعنى سوى إرتباكا هائلا وخوفا مقيما وتوترا واضحا.. ولا تنسوا فى ذلك الإطار أن نقيق الضفدع أعلى بكثير من خوار الثور.. ولو كانت بالصوت وبالجعير لكان الضفدع قد انتصر على الثور..
لا تنشغلوا بالكلام وانما انشغلوا بما هو وراء الكلام.. إنشغلوا بحركة محجرى عين هؤلاء المُجَعِّرين وسوف تلحظون فيها بأنفسكم كذبا لا يخطئه من يحتوى جسده على روح نقية وضمير لم يتلوث بعد.. تابعوا إنفعالاتهم العصبية التى تحتاج إلى طبيب نفسى بشكل بالغ السرعة لعلاجها وسوف تعرفون بأنفسكم أن كل ما قيل من كلام لا يساوى حجم كل تلك المصاريف على عملية شحن الفواعلية للمشاركة فى مرمة تأييد الرئيس أو على تأجير كل تلك الساوندات الكثيرة والضخمة..
لا تنشغلوا بتمسحهم فى الدين.. وأنظروا إلى هؤلاء الذين كانوا يصرخون فى الناس كمن يصرخ خارجا من عربية ميكروباص وهو ينادى على الزبائن.. «تكبييااار.. تكبييياار».. حتى أنى سمعتها للوهلة الأولى.. «رمسيييااس.. رمسييياااس».. وهل يظن أحد المرددين الآليين لنداء «تكبيييااار» أن الله قد يرغب فى أن يذكره عباده بتلك الطريقة الأشبه بالفرح البلدى؟!
لا تنشغلوا بدخلة صفوت حجازى الأشبه بدخلة سمير غانم فى مسرحية المتزوجون.. فهى ليست سوى كل ما يجيد الرجل فعله.. التمثيل..
لهذا دعكم مما رأيتموه بالأمس.. فهو خدعة.. شأنه فى ذلك شأن خدعة مشروع النهضة وخدعة الدستور وخدعة الإنتخابات الرئاسية وخدعة الإعلان الدستورى وخدعة مشاركة لا مغالبة.. لهذا.. إذا رأيتم بنى آدمين بيتشحنوا فى أتوبيسات.. لا تخشوهم.. واعلموا أن الخشية كل الخشية من هؤلاء الذين يذهبون إلى الأماكن لأنهم يريدون الذهاب إليها.. وليس لأن أحدا شحنهم فى أتوبيسات مجانيه إليها!
الآن.. وبعد مشاهدة تلك المسرحية الإرهابية الجميلة.. «إحنا اللى نبذنا العنف».. وبالنظر إلى الطبيعة المتقلبة فى حياة رابعة العدوية.. سوف يتأكد لنا أن ما حدث يوم الجمعة فى الميدان الذى يحمل إسمها لا يمثل سوى النصف الأول من حياتها فقط!