أخطر ما أسفرت عنه المحاولات التى قام بها الذين خلطوا الدين بالسياسة أنهم وضعوا الإسلام فى مقارنة خاسرة مع غيره من الإيديولوجيات السياسية السائدة فى البلدان الأخرى، فمجرد نظرة متعمقة للمقارنة بين التجربة الهندية وجارتها باكستان الإسلامية ستأتى حتماً لصالح الهند التى أصبحت باتباعها المنهج العلمانى فى الحكم فى مصاف الدول المتقدمة، بينما لاتزال باكستان ترزح تحت نير التخلف وسط كتلة من الدول الفقيرة. بل إن دولة ملحدة مثل الاتحاد السوفيتى «سابقاً» أصبحت بإلحادها ثانية القوى العظمى فى العالم، ولم تكن دولة مثل فرنسا أو إنجلترا أو ألمانيا فى مصاف الدول الكبرى باتباعها شعار «الإسلام هو الحل».. بينما دول كثيرة دخلت فى حروب أهلية وطائفية أو مذهبية وصلت إلى حد التفتيت والانقسام بسبب اعتمادها شعارات دينية فى التعرض لمشكلاتها المحلية، مثل السودان والصومال وأفغانستان والعراق وفلسطين وسوريا، هكذا جعل هؤلاء من الإسلام نذير شؤم، وقريناً للخراب والدمار والتفتيت أينما حل دعاته فى دولة من الدول، بينما نرى العلمانية - وحتى الإلحاد المتحرر من أى دين - قريناً للتقدم والاستقرار الأهلى فى المجتمعات التى باعدت بين الدين والسياسة، ونأت بنفسها عن الخلط بينهما عند بحثها عن حلول المشكلة أو أزمة تعترض مسيرتها نحو النهضة والتقدم.
ألم يفطن دعاة الدولة الدينية، من أصحاب شعار «الإسلام هو الحل» أو إحياء الخلافة إلى هذه الحقيقة، أم أن سطوعها أغشى أبصارهم فلم يروها؟!
إذا لم يكونوا قد رأوها رغم سطوعها، فهم من الغفلة أو الغباء الذى يجعل قدرتهم على الفهم والإدراك محل شك، مما يجعل رفضنا لهم إلى حد التصدى هو الموقف الوطنى الصحيح لصالح النهوض والتقدم.. أما إذا كانوا قد رأوا تلك الحقيقة وأدركوها، فلماذا إذن تجاهلها والتغاضى عنها بالتجاوز إذا لم يكونوا ضالعين فى مؤامرة لصالح أعداء الوطن الذين يكرهون له التقدم والنهوض؟!
ألم يدرك هؤلاء أن الإسلام قد انتشر فى دول كثيرة لم يدخلها العرب فاتحين بالسيف.. بسبب ما اشتهر به المسلمون بينهم بالسماحة والصدق وحسن الخلق؟! فلماذا إذن هذا الإصرار من جانبهم على رسم صورة سيئة للإسلام فى أذهان شعوب العالم ليجعلوه قريناً للإرهاب والقتل واستباحة الدماء البريئة، وحب الموت وكراهية الحياة، والتضييق على الناس بسيل منهمر من فتاوى التحريم والحظر؟!
هكذا ضاق الناس بالإسلام حين جعل منه هؤلاء مصدراً للخوف والرعب، بدلاً من الطمأنينة وسكينة النفس التى يوفرها الإسلام، ويضمنها لمعتنقيه.. فانقضى زمن الدخول فى دين الله أفواجاً، وحل مكانه زمن الكفر والإلحاد وإنكار الدين بعد أن رأوه على أيدى هؤلاء قريناً للتخلف وإراقة الدماء، وكراهية الحياة، فى وقت يرون فيه العلمانية، وحتى الإلحاد قريناً للتقدم والتطور والازدهار. لو اجتمع أكثر أهل الأرض عداء للإسلام، لما نجحوا كما نجح هؤلاء فى الإساءة إليه حتى أصبح الكفر والإلحاد أرحم بالناس من دين الرحمة وأكثر رأفة بهم من دين الرأفة والسماحة!!