تظاهرة الإخوان وحلفائهم، أمس الأول، التى حملت شعاراً سياسياً: «لا للعنف ونعم للشرعية»، لم تقف طويلا أمام حق قطاع واسع من المصريين فى الدفاع عن الرئيس أو شرعيته أو عن الجماعة وحكمها، وانتقلت على الفور إلى الحديث عن «إسلامية إسلامية رغم أنف العلمانية»، وعن الحق الذى يواجه الباطل، وعن الشريعة التى سيحمونها بالدماء.
وبدا أن تفاؤل البعض بحدوث تحول فى شعارات تظاهرات الإخوان التى حشرت فى المرات السابقة قضية الشريعة (سُميت مليونية جامعة القاهرة العام الماضى الدفاع عن الشريعة والشرعية) بعدم الإشارة إليها فى مليونية رابعة العدوية، وهم كبير، فالأمر لم يعد مجرد شعار لـ«التصدير السياسى»، لأن الواقع على الأرض جرى فيه استدعاء فج لخطاب الشريعة المهددة، ومصر الإسلامية التى يتآمر عليها العلمانيون.
إن محاولة الإخوان وحلفائهم تحويل جوهر الصراع السياسى الحالى من قضية احتكار فصيل للسلطة وللدولة إلى قضية تهديد للشريعة والإسلام، هى دليل فشل ومحاولة لتوظيف الورقة الأخيرة فى صراعهم مع قطاع واسع من الشعب المصرى، وهى ورقة «الشريعة فى خطر».
والحقيقة أن حراس العقيدة والشريعة والثورة والأيديولوجيا، الذين اعتادوا أن يحيلوا الناس إلى قضايا كلية لا علاقة لها بتفاصيل الواقع المعاش، هم من صنعوا تجارب الاستبداد والفشل فى العالم كله، فحراس الشريعة فى السودان هم الذين قسموا البلد وبنوا نظاما استبداديا، وحراس العقيدة فى أفغانستان هم الذى بنوا نظاما ظلاميا كان حجة الأمريكيين لغزو البلاد.
المعضلة ليست فى النص الدينى ولا العقائدى ولا السياسى، إنما فى وسائل تطبيقه، فالنظم التى أنجزت هى التى انطلقت من قيمة عليا وامتلكت، فى الوقت نفسه، الأدوات السياسية والديمقراطية الناجعة، وفى عالمنا العربى القيمة العليا المتوافق عليها هى مبادئ الشريعة الإسلامية، وفى التطبيق مطلوب أن نبنى نظاما ديمقراطيا ونمتلك الأدوات السياسية والاقتصادية الملائمة لتقدم هذا البلد، وهذا ما فشلنا فيه.
إن تصدير الإخوان معركة الشريعة يخفى فشلهم فى تقديم مشروع سياسى حقيقى، وعجزهم عن أن يدافعوا عن حكمهم بالسياسة وحشد أنصارهم دفاعاً عن توجهات الرئيس وجماعته بالسياسة، وليس تصوير أنفسهم أنهم أهل الحق، والمعارضون هم الباطل.
اتضح بعد مرور عام على حكم الإخوان أنه عام من الفشل الكامل، فهم لم ينتجوا فكرا ثوريا كما فى إيران وظلوا محافظين حتى النهاية، واستدعوا الثورة حسب المصلحة والحاجة، ولم يبنوا حزباً سياسياً حديثاً وديمقراطياً، كما فى تركيا «العدالة والتنمية» أنجز أهم إصلاحات سياسية واقتصادية منذ تأسيس الجمهورية التركية، إنما ظلوا على ولائهم للجماعة السرية التى تخطط للرئيس والحزب، وتفننوا فى انتهاك دولة القانون ومواجهة القضاء وفق مصالحهم السياسية الضيقة، ولم يلهموا الشعب المصرى بمشروع نهضة حقيقى انطلق من الإسلام الحضارى، وحوّل بلداً مثل ماليزيا فى عشرين عاماً من التخلف إلى واحد من أهم اقتصاديات العالم، وفشلوا فى إعطاء أمل للشعب المصرى بأنهم قادرون على حل جزء من مشاكله، بل زادوها سوءاً.
ورقة الإخوان الأخيرة لن تنقذهم من الفشل السياسى، ولن تجعل ملايين المصريين يرضون عنهم لأنهم يقولون إنهم مسلمون أو يعتبرون معارضيهم علمانيين وملحدين وشيوعيين وأقباطاً، كما يتحدث قادة الجماعة الإسلامية، ففشل الإخوان سياسى ولن ينقذهم استخدام ورقة الشريعة ولو كورقة أخيرة.