يتصور الإخوان أن الدولة العميقة فى مصر هى الدولة التى تنتمى إلى نظام الرئيس السابق حسنى مبارك، وتدافع عن ذلك النظام الذى ثار عليه الشعب فى 25 يناير، ولكن هذا تصور سطحى ومحدود للغاية، مثل الكثير من تصوراتهم عن أمور مختلفة.
الدولة المصرية العميقة تبدو بوضوح فى أقوال الرئيس السابق التى نشرتها جريدة «الوطن»، عدد الأربعاء الماضى، عندما قال إن المشير أبوغزالة قال له إنه وافق على إقامة قاعدة عسكرية أمريكية فى مصر، فقال له مبارك ومن أنت لتوافق، ومن أنا لأوافق؟!
لو كانت مصر عبدالناصر أو مصر السادات أو مصر مبارك قد وافقت على عضوية حلف الناتو وإقامة قواعد عسكرية فى مصر، وعلاقات عسكرية مع إسرائيل، مثل تركيا، لتدفقت عليها الاستثمارات بمئات المليارات، ومن السذاجة تصور أن حكومة أردوجان «الإسلامية» (القوسان عن عمد) رفعت متوسط دخل الفرد فى تركيا عشر مرات فى عشر سنوات، لأنه «إسلامى»، وإنما لأنه حافظ على عضوية حلف الناتو والعلاقات العسكرية مع إسرائيل.
ومن واقع ذكرياتى الشخصية أثناء متابعة زيارة بيجين لمصر رداً على زيارة السادات لإسرائيل عام 1977، وكنت أتابعها من خلال عملى فى جريدة «الشرق الأوسط» العربية التى تصدر فى لندن، وكان مدير المكتب الزميل الكبير إبراهيم سعدة، أذكر أن بيجين طلب من السادات زيارة قاعدة عسكرية بحرية فى الإسكندرية ولكن قائد القاعدة رفض، وقال: «إن إسرائيل لم تنظم للسادات زيارة لقاعدة بحرية فيها»، ولم يستطع السادات أن يلبى طلب بيجين، وهذه هى الدولة المصرية العميقة.
وأذكر أن الكاتب المناضل الكبير لطفى الخولى- رحمه الله- طلب منى أن أرافقه فى حوار مغلق جرى فى الثمانينيات فى إحدى قاعات الجامعة الأمريكية بالقاهرة مع سفير أمريكا السابق هيرمان إيليتس، وفى هذا الحوار كان سؤال الخولى للسفير: ما أفضل العلاقات بين أمريكا والدولة المصرية وما أسوأ هذه العلاقات؟
وجاء رد السفير مذهلاً بالنسبة إلى جميع الحاضرين، إذ قال إن أفضل العلاقات مع الجزائر، والتى كان لها دور محورى أثناء أزمة السفارة فى طهران، وأزمة «المارينز» فى بيروت، وإن أسوأ العلاقات مع مصر التى ترفض منذ أيام الملك فاروق أن تمد الأسطول الأمريكى السادس فى البحر المتوسط، ولا حتى بمياه الشرب، أو التنزه فى الإسكندرية، وهذه هى الدولة المصرية العميقة!