أيام فارقة تفصلنا عن الحدث الجلل الذي نحن في انتظاره, فنحن على أعتاب مرحلة غامضة, ربما تبحر بنا إلى بر الأمان وربما ننزلق إلى أتون الفوضى الجارفة.
30 يونيو، هذا اليوم العاصف الذي يطرق أبوابنا المواربة, نحاول أن نستقرئ أحداثه كلما دنت ساعة الصفر, الحالمون متفائلون بأن يكون يوم الخلاص والحرية, والمتشائمون يبحثون عن نقطة ضوء في نهاية النفق المظلم, وبين هذا وذاك ينتعش الخيال وتتسع دائرة التوقعات, لكننا أبدًا لم نرقَ إلى استقراء ما نحن في انتظاره بالتحديد, فرغم الثقة بالله وبعدالة مطالبنا إلا أن هذا اليوم لن يخلو من المفاجآت.
تصريحات قيادات الإخوان وحزب الحرية والعدالة والتيارات الدينية على تنوعها والدعاة المضللين، لا تخلو من تهديد ووعيد مرتعش, صفوت حجازي القيادي الإخواني يدعو إلى رش المعارضين لمرسي بالدماء, ثم ينكر إيحاءاته الصريحة باستخدام السلاح. ويتجاوز التهديد حدود الإيحاء، إذ يستشهد عاصم عبد الماجد القيادي في الجماعة الإسلامية ومؤسس «حركة تجرد» بعبارة الحجاج بن يوسف الثقفي أثناء حربه على العراق «إنني أرى رؤوسًا قد أينعت, وحان قطافها».. في دعوة صريحة للقتل وإراقة الدماء, لكن لا عبد الماجد هو الحجاج الداهية السياسي, ولا مصر هي العراق, وطارق الزمر يهدد ويتوعد بالحرب, والبلتاجي يستهين بقوة المعارضة وعدالة قضيتها ويوم 30 يونيو, وغلاة الدعاة المنافقين يعتبرونه يوم غزوة الكفار والخروج على الحاكم ضد إرساء قواعد الإسلام وتطبيق شريعة الله, في دعوة مبطنة للدخول في نفق الحرب الأهلية والقتال ضد من تُسَوِّل له نفسه إسقاط الرئيس مرسي وحاشيته ويتضرعون إلى الله بالدعاء على الشعب الذي قرر الخروج لإسقاط مرسي! وكأن جموع الشعب الرافض لحكم الإخوان زنادقة وكفرة, وبدلًا من تهدئة الشارع المحتقن بالحسنى والموعظة الحسنة, يأججون نار الفتنة والتحدي, بينما مجمل الشعب الذي قرر الخروج في تظاهرات حاشدة يؤكد ولا يزال سلميتها وعدالة مطالبها, وفيما نحن في هذه الحالة من السيولة السياسية الغائمة, تجمع حركة تمرد أكثر من 15 مليون توقيع لرحيل مرسي, لم تكن افتئاتًا على الحقائق ولا «لعب عيال» كما يشاع للفت من عزيمتنا, والاستخفاف بطموحات جيل واعد من شباب الفيس بوك وتويتر وبلاك بلوك الذي أثبت أنه لن يتهاون بعد الآن في حقوقه ولن يتنازل عن أحلامه.
لعلنا شهدنا بروفة مصغرة لاستعراض القوة بالحشود التي سيّرتها أحزاب الإسلام السياسي من مسجد رابعة العدوية وساحة مسجد القائد إبراهيم في الإسكندرية وما أعقبها من اشتباكات دموية بين أنصار الرئيس مرسي ومعارضيه, جيّشوا جيوشهم من أقصى البلاد إلى أدناها, في خطوة استباقية ليوم 30 يونيو الذي بات يقض مضاجعهم, ومع ذلك فإن قيادات الإسلام السياسي تدّعي عدم جنوحها للعنف، فهي تقود «مليونية لا للعنف».. عجبي!
لقد ثار الشعب في 25 يناير على القمع والفساد والتجويع والفقر وانتهاك الحريات, وسيثور اليوم لنفس الأسباب إن لم يكن للأسوأ, فلا حرية اكتُسبت ولا فقر اندثر ولا فساد انحسر, ولا عدالة اجتماعية تحققت, بل وصل بنا الحال إلى منعطف هو الأخطر يهدد بحرق مصر وفقدان الهوية, استُبيح الوطن لتنفيذ أجندة الإخوان, والنضال من أجل الهوية والانتماء واجب مقدس لا فكاك منه, وما يشهده مطار القاهرة الآن من رحلات ذهاب دون عودة لأناس شعروا بأن الوطن ضاق بهم وضنّ عليهم بالاحتواء وولوا الأدبار بعيدًا إلى حين, نذير شؤم وجرس إنذار.. نحن بحاجة إلى جيفارا يُبعث من جديد, نحن بحاجة إلى قائد ثائر زاهد يُعيد الوطن إلى أصحابه ويرسخ الهوية التي في طريقها إلى الضياع.