
ولدت سعاد حسني البابا فى بولاق بالقاهرة من عائلة فنية والدها محمد حسنى البابا الذي كان من أكبر الخطاطين، حيث إنه خطط كلمات على الكعبة الشريفة.
وهى أخت المطربة نجاة الصغيرة، وعملت فى الفن وهى طفلة صغيرة مع "بابا شارو"، واكتشفها للسينما عبد الرحمن الخميسى.. عملت فى أدوار متعددة.. سميت "سندريلا الشاشة".. تزوجت من المخرج صلاح كريم ومن المخرج بدرخان، ثم عرفيا من كاتب السيناريو ماهر عواد.
مارست الغناء والتمثيل، وعلمت نفسها بنفسها، وكانت تتقن اللغتين الفرنسية والإنجليزية، عملت فى التليفزيون مسلسل "هو وهى"، حصلت على جوائز عديدة عن أفلام "الحب الذى كان"، "غروب وشروق"، "أين عقلى"، "شفيقة ومتولى"، "موعد على العشاء"، أصابها المرض فى التسعينيات وماتت فى ظروف غامضة.
وهى الممثلة الوحيدة التى نافست سيدة الشاشة العربية فاتن حمامة فى أن تكون نجمة القرن العشرين، بما كانت تملكه من حضور طاغ منذ الفيلم الأول، ومسيرة مشبعة بالموهبة، تمثيل، وغناء، واستعراض، وهى أطول مسيرة لفنانة عملت بالاستعراض، ضمن من عملن فى هذا النوع من الأداء، بنت البلد الخفيفه، القريبة من القلب.
يمكن مشاهدتها فى أحسن حالاتها فى "صغيرة على الحب" و"القاهرة 30" و"خللى بالك من زوزو"، ما أكثر محطاتها الجميلة، ومن هنا كانت مأساة رحيلها.
وفي مثل هذا اليوم من عام 2001، برز فجأة خبر مصرع الفنانة الشهيرة التي ملأت الدنيا وشغلت الناس ردحا من الزمن امتد طيلة عقدي الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي، كانت الجريمة البشعة بعيدا عن الوطن وفي مدينة لندن وفي مجمع سكني معروف للمصريين والعرب، وفيه أيضا وبنفس الطريقة قتل أو مات أو نحر أو انتحر قائد الحرس الجمهوري المصري أيام السادات الليثي ناصف!
وبعد ذلك حدثت جريمة أخرى وبنفس مواصفات الجريمتين السابقتين ولكن في أحد أرقى أحياء لندن الراقية (بلجرافيا)، قتل فيها وعن طريق الرمي من البلكونة الملعونة أيضا المليونير المصري والسكرتير الأسبق للرئيس السادات للمعلومات وصهر الرئيس عبد الناصر أشرف مروان، والذي أثيرت بعد وفاته معلومات مثيرة عن علاقات سابقة بعالم الجاسوسية المعقد وجهاز الموساد.
وقضية سعاد حسني رغم غرابتها فإنها أثارت الكثير من علامات الاستفهام حول صعود وسقوط نجمة عربية شهيرة كانت تمثل رمزا جماليا في مرحلة ما، ولكنها ارتبطت بكل تأكيد بكل أسرار وخبايا مرحلة ما قبل هزيمة حزيران عام 1967 وحيث كانت لدولة المخابرات المصرية سطوة وصولة في فترة ما عرف بمرحلة "انحراف جهاز المخابرات العامة" أيام رئيسها الشهير صلاح نصر!
ومن المعروف ملفات وفضائح الفنانات في تلك الفترة، واللواتي كن أحد أهم أسلحة جهاز المخابرات تأسيا بالتجربة المخابراتية في العالم الشيوعي، وحيث يمثل الجنس أبرز وأهم أسلحة السيطرة، سعاد حسني كانت أحد أهم شهود وضحايا تلك الفترة العاصفة وارتبط اسمها كفنانين عرب آخرين بجهاز المخابرات.
لقد عانت سعاد حسني أشد المعاناة من ذكريات تلك الفترة وانحسرت النجومية عنها وهاجمتها الأمراض وتشوه ذلك الجسد الجميل وغابت ملامح الزمن الجميل واحتاجت لدعم ومساندة الدولة والنظام الذي خدمته كثيرا ثم تنكر لها، وهى أشبه بقصة مأساة إغريقية.
لقد كان واضحا للعيان أن نهاية سعاد حسني لم تكن طبيعية بالمرة، فهى لم تكن مجنونة لكي تقدم على الانتحار وهى التي تصارع من أجل الحياة، لكنها دخلت في المحظور وحاولت نبش الماضي من خلال التلميح والتهديد بنشر مذكراتها والتي كانت ستفجر قنابل متفجرة ورهيبة وتكون حدثا لا ينسى وتميط اللثام عن أسرار مرحلة بشعة للغاية رغم كونها زاهية في مخيلة أهل الحلم القومي من جيل الشعارات الثورية والقومية التي تهاوت مع الرياح ومع الهزائم العاصفة.
لقد كان واضحا أن سعاد حسني قتلت على الطريقة المخابراتية التي طالما صورتها السينما المصرية ذاتها في أفلام عديدة، وأن نهايتها البشعة كانت طمسا لنواياها في فضح المستور وكشف المخبوء، ودفعت ثمنا غاليا لذلك، فيما عجزت شرطة سكوتلانديارد بكل إمكانياتها عن حل اللغز وتحديد المجرم وفضلت إسدال ستائر الصمت والنسيان على ما حدث.