خلال إحدى الحوارات مع الصديق والزميل ضياء رشوان، كان له ملاحظة هامة حول تحول معارضة محمد مرسي والاخوان المسلمين من معارضة سياسية إلي كراهية حقيقية باتت واضحة المعالم لدي قطاع عريض من المعارضين. وبدت الفكرة وجيهة لي ولكنها في ذات الوقت تطرح سؤالان في غاية الأهمية، ما هي الدلائل التي تشير لوجود مشاعر كراهية لدي قطاع من المعارضة أولاً وما هي الدوافع المسببة لهذه الكراهية ثانياً.
ومن دلائل وجود هذه الكراهية هو ظهور قطاع معارض ضخم غير مسيس ولا ينتوي أن يكون، بل في واقع الأمر هناك حشود ضمن الحشود التي تنوي الخروج في 30\6 ليس لها مطالب أو أهداف سياسية، هي فقط أعداد من المواطنين لا تري في مرسي رئيساً، بعيداً عن الشقين السياسي والقانوني. بمعنى آخر، هناك قطاع من المواطنين سيشارك في 30\6 ليس علي أرضية سياسية ولكن مدفوعاً بمشاعر كراهية تجاه محمد مرسي ونخبته الحاكمة.
ومن الدلالات الهامة التي تشير لهذه الكراهية هي زيادة عدد المشاركون في 30\6 وتنوع فئاتهم العمرية والاجتماعية والمهنية، بالإضافة للانتشار الجغرافي الواسع الذي لم تحققه أياً من محاولات الحشد علي مدار العامين السابقين، خاصة في الدلتا والصعيد. ومثلما تشير هذه الزيادة في الاعداد لرفع القدرة التعبوية للقوى الحاشدة لمظاهرات 30\6 ، تشير أيضاً إلي زيادة نسبة الكراهية لنظام محمد مرسي والاخوان المسلمين، حيث أن الكراهية في هذه الحالة تعد العامل المشترك الذي يربط بين الفئات المختلفة التي تنوي المشاركة في المظاهرات بالرغم من الاختلافات السياسية والاجتماعية.
كما أن هناك نوعاً من العدائية بين الفريقين، ستتحول مع دخول المجتمع في مرحلة أكثر راديكالية إلي ممارسات عنصرية قائمة علي التفرقة بين مؤيدي مرسي والإخوان ومعارضيهم، ومما لا شك فيه تعكس هذه العدائية بالضرورة قدراً من الكراهية.
وإذا كان هناك مجموعة من الدلالات تشير لشعور عدد من المصريين بالكراهية تجاه محمد مرسي وجماعته وأهله وعشيرته، فهناك أيضاً مجموعة من الأسباب تبرر وجود هذه الحالة.
ولعل أهم أسباب ظهور هذه الحالة من الكراهية هو التحول المفاجئ في سلوك الإسلاميين بشكل عام والإخوان بشكل خاص من النقيض إلي النقيض، وهو ما يراه المجتمع المصري بسلبية شديدة. فالعديد من القيم والمعتقدات الشعبية في المجتمع المصري تستنكر التحول من نقيض لآخر، فنجد نتيجة لهذا أمثال شعبية مثل "شبعة من بعد جوعة" ، والعديد من الأمثال الأخرى التي تتعلق بالتصنيف الشعبي "واطي" ، فتحول "الواطي" إلى حال مختلف يكون فيه أكثر علواً أو أكثر سلطة ونفوذ يُعد نموذج سلبياً في الفكر الشعبي المصري. ومن المهم إيضاح أنني لا أقصد بهذا المثال أي نوع من أنواع التشبيه، أنا فقط أسعى لشرح كيف ينظر المجتمع في مصر من خلال قيمه ومعتقداته لنموذج التحول من نقيض لنقيض.
وإذا نظرنا لمحمد مرسي نجد أنه بدأ بالكثير من الوعود بالديمقراطية وبحق الشعب في محاسبته، بل واستعداده للاستقالة يوم تطالبه الجماهير بذلك. ثم تحول محمد مرسي بعد حصوله علي مقعد الرئاسة إلى نموذج أبعد ما يكون عن الديمقراطية، ورافضاً لفكرة محاسبة الشعب له، بل ظل محمد مرسي يصدر القرارات الجمهورية والإعلانات الدستورية واحداً تلو الآخر لخدمة الجماعة وحزب الحرية والعدالة دون النظر لمسألة الديموقراطية، عابثاً في بعض الاحيان باُسس النظام الديمقراطي بتعديه على السلطة القضائية بشراهة غريبة. ونتيجة لهذا الأداء تحول محمد مرسي من نقيض إلى آخر، من الرئيس المدني المنتخب إلى النسخة الإخوانية من حسني مبارك. وقد ترك هذا التحول انطباعاً لدي الشعب تأكد مع الوقت أن الرئيس كاذب لأنه يتنصل مرة تلو الأخرى من ما وعد به قبل انتخابه.
وينطبق ذات التحول على أعضاء الجماعة أيضاً، وفي بعض الأحيان على الإسلاميين بشكل عام. فبعد أن كان أعضاء الجماعة فصيل سياسي يسعى للتواجد سياسياً، وبعد أن كان عليهم أن يخفوا حقيقة انتمائهم للجماعة، تحول أعضاء الجماعة إلي حزب وطني جديد. فأصبح هناك سوء استغلال واضح للسلطة، ومحاولات مستمرة للاستفادة الشخصية من التحولات السياسية. وفي بعض الأحيان حاول أعضاء الجماعة اختراق بعض الطبقات الاجتماعية وبعض الفئات المهنية، إلا أن أغلب هذه المحاولات قوبلت بالرفض من القوى المجتمعية المختلفة. بمعنى آخر، حاولت القوى الإسلامية أن تكون نسخة طبق الأصل من النخبة السياسية التي سبقتها، وقد باءت هذه المحاولات بالنجاح.
وقد أدى هذا التحول في سلوك كل من محمد مرسي وأعضاء الحركات الإسلامية بشكل عام لانتشار حالة من الكراهية قائمة علي رفض المجتمع لهذه النخبة الجديدة لشعوره أنها نخبة تتعامل مع السلطة بشهوة لا يبررها سوى الحرمان.
ولعل السبب الأكثر أهمية هو كيف انهارت العديد من الخدمات التي اعتاد المواطنون وجودها مثل الأمن والوقود، حيث أن كثير من جوانب الحياة في مصر، وخاصة الاقتصادية، انهارت في وقت واحد وخلال فترة زمنية لا تتعدي عام. فجاءت الإدارة العاجزة للإخوان لتستعدي كل فئات المجتمع، وتقلل من فرص العمل، ومن حجم الاستثمارات، وترفع الأسعار، وتفشل في تقديم خدمات ضرورية، وتهبط بقيمة الجنيه المصري إلي مستوى جديد.
ضاعفت هذه الإدارة من حجم الكراهية حيث أن عدد كبير من المواطنين بدأ يشعر أولاً بالاحباط وثانياً بالخديعة. ومن ثم تحولت المعارضة إلي كراهية مبررة كرد فعل لهوس السلطة الذي ظهر بوضوح على أغلب القوى الإسلامية منذ أن جاء محمد مرسي للحكم.
وقد شهدت مصر العديد من القادة على مدى تاريخها، أو علي الأقل منذ 1952، فبالرغم من كل الخلاف السياسي حول تأييد ومعارضة كل من عبد الناصر أو السادات، إلا أن الكراهية لم تكن سمة مجتمعية تجاه أحدهما. كما أن مبارك كان مكروهاً في المقام الأول من القطاع المُسيس من المواطنين، ولكن الإخوان المسلمون نجحوا في تحقيق سابقة في السياسة المصرية وهي كراهية المجتمع بأطيافه المختلفة، المُسيس منها وغير المُسيس، للحاكم والنخبة.
فهل يدرك محمد مرسي ومن معه من أهل وعشيرة هذه الحقيقة؟ لا تدل تصرفات الرئيس والنخبة أن هذه الحقيقة واضحة لهم، ولهذا أصبح النزول يوم 30\6 واجب علي كل من يخشى علي هذا البلد من بطش جنون السلطة.