«تمتع بكل الملذات وسيطر على أمور الحياة لخدمة نفسه وإشباع رغباتها، فلم يترك شيئا لأولاده. ملّ الأولاد هذا الوضع الظالم فتآمروا على أبيهم حتى قتلوه. لكن لم تتنه المشكلة، فكلما وصل أحدهم إلى السلطة عاد وكرر نفس ممارسات الأب السلطوية. وهنا جاء وقت الاتفاق على ميثاق جديد يؤطر لعلاقة تتميز بقدر أكبر من السواء والاستمرارية. فقد توصل الأبناء إلى أنه ممكن لكل منهم أن يستمتع بموقع السلطة ولكن مع مراعاة أمرين: الأول هو عدم الهيمنة المطلقة عليها، أما الثانى فهو عدم السيطرة عليها سوى لفترة محدودة. وتطلب هذا الاتفاق بعينه عملية قتل أخيرة، ولكنها شخصية، تمت هذه المرة فى أعماق كل منهم: قتل هذا الجزء الكامن بداخلهم والداعى إلى التفرد والاستئثار. فقط بالتخلص منه يمكن القبول بتداول السلطة وإشراك الآخرين بها حين الحصول عليها».. هذه الكلمات المنقولة عن فرويد، بتصرف، تعبر عن نظريته الخاصة بكيفية تطور المجتمعات البدائية.
عزيزى القارئ، أعرف أنك أدركت إسقاطنا لهذه الرؤية على حالتنا الآن فى مصر! فما كنا لنصل لدعوة يوم 30 يونيو لولا هيمنة جماعة الإخوان على الحكم، هذا بالإضافة إلى فشلها أساسا فى هذه المهمة. أما الغريب فهو عدم إدراكها أن عملية إسقاط النظام القديم (قتل الأب) هى عملية تحول لها جذور اجتماعية أكثر عمقا من أن يتم إخمادها بهيمنة جديدة. بكل تأكيد، أن تصر على أن تكون نظاما إقصائيا فى فترة تحول سياسى ومجتمعى يعنى أنك تحكم على نفسك بالعجز والفشل. هناك شىء جديد ينمو ولو ببطء فى داخل المجتمع ذاته، أولاد كثر ظهروا ولا يزالون يصارعون كى يشاركوا فى بناء وطنهم وإدارته. فلو كنت ذكيا لما كنت كررت فعلة أبيك الممقوتة.
قطعا، لا يمكن التكهن بمخرجات حركة 30 يونيو، لكن الأكيد هو أن معيار نجاحها يتوقف على مدى قدرتها على إحداث تغيير فى قواعد اللعبة السياسية غير العادلة التى رسمها الإخوان و«فصّلوها على مقاسهم». فتغيير هذه القواعد والاتفاق والتوافق على أخرى جديدة تحكم «الأبناء» أو كل من يصل إلى سدة السلطة- مربط الفرس الغائب. قطعا، هذا هو الطريق الوحيد للخروج من الدائرة المفرغة التى ندور فيها منذ عامين مضيا. فهل ستنجح حركة 30 يونيو فى الضغط للقبول بشروط جديدة، فتكسر هذه الدائرة أم أنها ستكون حلقة من حلقات صراع وضغط سياسى لم يعد منه مفر؟ وإذا كانت حلقة من حلقات صراع سياسى واجتماعى ممتد، فكيف تخرج منها المعارضة الشبابية بأكبر قدر من المكاسب؟ ربما هذا ما تحتاج هى إلى تحديده من الآن، أو أن تضعه على الأقل فى ذهنها، حتى لا ينتهى بها الأمر كما انتهت بها مظاهرات الإعلان الدستورى المشين.