لقد تم إغلاق التليفزيون الرسمي في اليونان الأسبوع الماضي، لما يعانيه من عجز في الميزانية، «وظل عدد صغير جدًا من العاملين به لإخراج نشرات الأخبار والبرامج الحوارية فقط». وسيظل مغلقًا حتى يتم تحويله إلى تليفزيون خدمة عامة مستقل .
وهنا نتساءل: «هل يمكن أن يغلق ماسبيرو؟ وما الدوافع التي يمكن أن تغلقه؟».
كان الهدف الرئيسي من وراء غلق التليفزيون الرسمي اليوناني هو خفض نسبة الإنفاق الحكومي من أجل تمكين الحكومة من تسديد مديوناتها والحصول على قرض من صندوق النقد الدولي، فالوضع ليس مختلفًا عن مصر.
ولكن كيف يُغلق ماسبيرو وقد أجرى جهاز بحوث المشاهدين والمستمعين، التابع للتليفزيون، دراسة على عينة عشوائية لمعرفة آرائهم في النشرات الإخبارية التي يقدمها خلال شهر مايو الماضي، ومنحت الدراسة قنوات التليفزيون المصري درجة الامتياز، حسب بيان أصدره التليفزيون. لكن كيف يكون الأعلى مشاهدة ومصداقية، «حسب الدراسة»، ويتمتع بدعم من الحكومة ونسبة لا بأس بها من الإعلانات وهو يعاني عجزًا يصل إلى حوالي 12 مليار جنيه!
والإجابة تقع في ما يعانيه الإعلام المسموع والمرئي الرسمي من عدم استقلالية، سواء من الناحية الإدارية أو المالية. وطبقاً لهذا فلن يستطيع ماسبيرو البقاء طويلا.
وتعتبر الدراسة المشار إليها خير مثال على عدم استقلاليته التي تؤثر بالتالي على عدم المصداقية. فجهاز البحوث، التابع لماسبيرو، الذي يقع تحت ملكية الحكومة، يعطي القنوات التابعة لماسبيرو درجة الامتياز دون غيرها، ولا ينافسها أي قناة خاصة مصرية كانت أو عربية. «أليس هذا مضحكاً!!».
فكيف يحتل الإعلام الحكومي أعلى النتائج من حيث المصداقية وهو يحتل مراكز متأخرة في نسبة المشاهدة طبقاً لدراسات أخرى حديثة.
فلا يمكن أن يكون التليفزيون الحكومي يتمتع بنسبة عالية من المشاهدة لسببين رئيسيين: الأول هو أن عجز الموازنة يحد من إنتاج برامج عالية الجودة، مما يؤدي إلى وجود برامج متوسطة غير جاذبة للمشاهد وغير قادرة على المنافسة مع باقي البرامج التي توجد في باقي القنوات. والثاني هو ملكيته وتابعيته للحكومة، مما يؤدي إلى إخراج منتج غير محايد وغير قادر على النقد البناء.
لقد تم إغلاق الإعلام الرسمي في اليونان الذي كان يمتلك ثلاث محطات تليفزيونية وأربع إذاعات محلية، بالإضافة إلى إذاعة إقليمية وإذاعة صوت اليونان. فماذا عن ماسبيرو الذي يمتلك أضعاف هذا العدد من المحطات و الإذاعات؟ ثم يأتي الوزير ليقول إن ماسبيرو مؤسسة خدمة عامة وليست ربحية. فكيف يصفه بإعلام الخدمة العامة وهو ليس مستقلاً إدارياً أو مالياً. وليس من صفات إعلام الخدمة العامة إنتاج برامج غير قادرة على المنافسة، ولكن العكس صحيح، فلا بد من إنتاج برامج تجذب الجمهور وتتمتع بمصداقية لتكون قادرة على المنافسة. ويكفي وجود قناة واحدة أو اثنتين من الخدمة العامة وتحويل الباقي إلى أنواع أخرى مثل الإعلام الخاص والمجتمعي.
أما إذا استمرت إدارة ماسبيرو على هذا المنوال، فسيبقى ماسبيرو ضعيفًا منطفئًا غير قادرًا على المنافسة أو تقديم إعلام يخدم المواطن.
وهذا ما تنوي اليونان على فعله، وهو إنشاء قناة خدمة عامة واحدة صغيرة و لكن مستقلة. وهذا ما يجب العمل عليه وإلا سنفاجأ بأنه تم إغلاق ماسبيرو.