بعد يومين من إعلان فوز مرسى بالرئاسة، كتبت رسالة له، نشرتها هنا فى صحيفة «المصرى اليوم»، ولفتت انتباه كثيرين، ولاقت استحسانهم، إلى درجة أن المستشار فكرى خروب، رئيس محكمة استئناف الإسكندرية، قال: لا بد للرئيس من أن يبروز هذه الرسالة، ويعلقها خلف كرسيه، ليتذكر ما فيها دوما. وتعهد رجل أعمال مقرب من الإخوان بأنه سيوصلها إليه، لكننى أوصلتها إلى الناس جميعا من خلال نشرها فى أكثر الصحف قراءة وتأثيرا فى تلك الآونة، وأعيد نشرها هنا ردا على أولئك الكاذبين الذين يدعون أن كل من سيخرج ضد مرسى فى 30 يونيو يكرهه لشخصه ولجماعته، وليس لأفعاله الشائنة، وخروجه على ما أقسم عليه، وقلة كفاءته فى إدارة البلاد. وكانت الرسالة تقول نصا:
«السيد الرئيس.. اعلم أن الشعب هو الذى منحك ما آتاك فافعل ما لا يجعله يأخذ ما أعطى، ثم يزجرك وينهرك ويلحقك بمن سبقك، وإن خطفك زهو أو غرور فتذكر جيدا ما جرى لمن جلست مكانه وأعقبت زمانه، وكن أجيرا أو خادما كما وعدت، فآخر القياصرة يلعق جراحه فى قفص على بعد خطوات من مخدعك ومقعدك.
السيد الرئيس.. لتخلع عن جسدك ونفسك وعقلك كل أردية الماضى؛ فبها من الثقوب ما لا تخطئه العين، وبها من الخروق ما اتسع على الراتق، ولترتد زيا جديدا، نسجه لك بسطاء المصريين بأناملهم، ولتعرف أن هؤلاء هم من حملوك من الزنزانة إلى القصر، وليس أولئك المرتعشين المترددين الخائفين الذين كنت بينهم.
السيد الرئيس.. لا تقرب إليك المنافقين فهم خناجر مسمومة فى ظهرك، ولا تفرح بالسمع إلى من هم دونك فهؤلاء سيحطون من قدرك، وليكن عندك الأصلح فى كل ولاية بحسبها، فلا تولّ أحدا منصبا لا يستحقه، وليكن المصريون جميعا من الآن هم جماعتك، والدستور مرشدك، والوطنيون الأكفاء إخوانك، ولتفتح قلبك وعقلك ونفسك للجميع، فمن أحسن يثاب ومن أساء فيجازى بما يقتضيه العدل، وما تفرضه الحكمة.
السيد الرئيس.. اعلم أنك فى محنة وإن جاءتك على هيئة منحة، ولتدرك أن الحمل ثقيل، والمخاض عسير، فأشرك معك من يعينك لا من يداهنك. ولا تسلم قيادك إلى أحد من حولك، فقد يأتيك السهم من حيث لا تعتقد ولا تحتسب، وقد يكون عدوك بين يديك وصديقك لم تعرفه ولم تقابله أبدا، فالتاريخ علّم الإنسان أنه (رب أخ لم تلده أمك)، وأفهمه أن الظلم قد يأتى من ذوى القربى، والخيانة قد يصنعها أحيانا من نظن أنه أقرب إلينا من أنفسنا، والعصبة كما بها غُنم ففيها غُرم وجُرم.
السيد الرئيس.. سيحكم عليك الناس بما تفعل لا بما تقول، وسيحكم عليك التاريخ بما تنجز لا بما تعد، ولتردد دوما فى صحوك وخطوك، فى قعودك ووقوفك قول الله تعالى: (كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون)، ولتدرك أن مسارك فى الدنيا فى قبضة شعب ثائر، ومسارك فى الآخرة مرهون بالإصلاح ما استطعت، والله الموفق والمستعان.
السيد الرئيس.. ليكن بأسك على من ظلم وفسد، وليكن حلمك على ذوى الحاجة من المظلومين والمكلومين والمحرومين، ولا تنصت طويلا إلى من لا يعرف من الدنيا غير كنز المال وإذلال الرجال، فالناس أحرار كرماء، لكن لا حرية لجائع ولا كرامة لعريان، والذين يساقون كالقطعان قد لا يكونون هم من يرفعون البنيان.
السيد الرئيس.. إن مصر كبيرة وعريقة وهى أمة بذاتها ولدت كاملة، فأنصحك بأن تقرأ تاريخها جيدا، وتعرف عنها أكثر مما تعرف عن عبس وذبيان وحلف الفضول. ولتعلم أن هذا البلد هو الذى يعطى مهابة وقدرا لمن يحكمه ولا ينتظر أن يمن أحد عليه بشىء حتى لو كان حاكمه. ولتعلم أن أحدا لم يغلب روح مصر فإياك أن تجرحها، أو تتوهم أن بوسعك أن تغير هويتها وطويتها، فما أراد أحد ذلك إلا وتكسرت نصاله على حواف تاريخ مصر وثقافتها.
السيد الرئيس.. أنت طلبت فى خطابك الأول أن نعينك إن أحسنت ونقومك إن أسأت، وبالنسبة لى فإن إعانتك فى كل الأحوال هى نقدك، ليس بتعقب ما تفعله بحثا عن كل زلل وخلل، وليس حبا فى المعارضة أو وقوعا فى فخها وهواها، وإنما هى الرغبة المتجددة دوما فى طرح ما أعتقد أنه الأفضل دوما لبلادى، بكل تجرد ونزاهة، فهى الأولى دوما بأن نراعيها، تعاقب عليها الكثيرون من أمثالك فذهبوا وبقيت هى تاج العلاء فى مفرق الشرق، فساعد أهلها على أن تظل رؤوسهم مرفوعة، والله معنا جميعا ومعك».
■ ■ ■
ولأن مرسى لم يظهر منه منذ أيامه الأولى ما يبين أدنى حد من الالتزام بالذى أقسم عليه، وبما يجب على أى رئيس أن يفعله، رحت أنتقد فيه، باستمرار، قلة الخبرة وسوء الإدارة والولاء لجماعة الإخوان والإخلاص لمشروع تمكينها وبث الفرقة بين المواطنين والتفريط فى الأمن القومى. وشاركت فى المظاهرات التى نزلت إلى الشوارع ضده، لا سيما بعد أن أصدر إعلانا دستوريا فى 22 نوفمبر أعطى نفسه بمقتضاه صلاحيات مطلقة، وخضت مواجهات قوية ضد أتباع السلطة الجديدة على الشاشات الزرقاء وفى المؤتمرات الشعبية التى حضرتها فى القرى والأحياء الشعبية، وبعد سقوط شهداء فى شارع محمد محمود من جديد وعند قصر الاتحادية والمقطم وفى مختلف المحافظات، وبعد أن تأكد لى ولغيرى أن مصر العزيزة يتدهور حالها مع كل يوم يمر تحت حكم الإخوان، وبعد خروج مرسى غير مرة على مكتسبات ومقتضيات الشرعية، سأنزل يوم 30 يونيو وسأهتف بطريقة سلمية: ارحل.