الأستاذ فهمى هويدى بلا شك صاحب فضل على من تلاه من أجيال تكتب للصحافة، ومواقفه الفكرية والسياسية خلال حكم مبارك كانت جليّة للجميع ولا تحتمل التأويل، بخلاف أننا كنا نتتبع ثمنا شبه أسبوعى يدفعه مقابل تمسكه بوجهة نظره المعارضة، تمثل فى منع نشر مقالاته فى «الأهرام»، تلك المقالات التى أسهمت فى صناعة شهرة صحف أخرى كان مانشيتها المتكرر «ننفرد بنشر مقال هويدى الممنوع فى الأهرام». حتى على مستوى الاختلاف مع بعض أفكاره، لم يكن الاختلاف ينقصه كل تقدير، إلى أن جاءت الثورة وبدا للأستاذ هويدى أن صالح الأمة فى الانحياز إلى المشروع الإسلامى، وهو حقه، ثم بدأ الميزان يختل قليلا فى يد أستاذنا ويميل بطريقة تنقصها الموضوعية فى ناحية كل ما يوافق هوى اليمين السياسى. كانت الأمثلة كثيرة، وكان الواحد يحاول أن يضعها دائما فى حدود وجهة نظر سياسية لصاحبها مطلق الحرية فى الدفاع عنها، لكن مقال الأستاذ هويدى الأخير خرج من منطقة السياسة إلى المنطقة التى يقف فيها «أبو إسلام»، الذى كان بطل مقال الأستاذ هويدى الذى عبر فيه عن أن أبو إسلام لا يستحق كل هذه العقوبة، وأن القضاء لعب دور الناشط السياسى الذى يغلب الهوى على الحق عندما حكم على المتهم بـ11سنة سجنا، لأنه حرق الإنجيل أمام العالم، فالعقوبة أكبر من الجريمة فى رأى الأستاذ هويدى، بالضبط كما يرى هو أن عقوبة المدرسة المتهمة بازدراء الدين الإسلامى بغرامة مئة ألف جنيه جاءت أقل مما تستحقه.
لم يكن الأستاذ هويدى بحاجة إلى عقد هذه المقارنة إذا كان يستشعر ثمة ظلم فى الحكم على أبو إسلام. لم يكن لكاتب كبير بقامته أن يختل الميزان فى يده لدرجة أنه يعقد مقارنة بين رجل حرق الإنجيل أمام العالم كله وسخَّر فضائيتين وعشرات البرامج فى فضائيات أخرى لبث سمومه بمنتهى الوقاحة، وبين مُدرسة دخلت حوارا حول الأديان ثم أنكرت تفسير كل ما قالته، مؤكدة أنها لم تقصد كل ما جاء فى الاتهامات، بين واحد يصر على الفتنة ويعتبرها أكل عيشه، وبين واحدة كان تعصبها -إن صح الاتهام- فى حدود حوار داخل مكان عملها.
كان أولَى بالأستاذ هويدى أن ينتصر لعقوبات مغلظة تطول عشرات يشبهون أبو إسلام يهدمون المجتمع ببطء، كان عليه أن يتفادى مقارنة سيتم اختزالها على يد المتشددين الذين يملؤون الشاشات والمواقع فى وجهة نظر كاتب كبير، يعقد مقارنة بين العقوبة التى يستحقها ازدراء كل دين على حدة، فمن ازدرت الإسلام عوقبت بأقل مما تستحق، ومن ازدرى المسيحية عوقب بأكثر مما يجب، واضعا القضاء فى قفص الاتهام الطائفى، الأمر الذى حتما سيأتى على هوى اليمين المتشدد.
أُحسن الظن بأستاذنا وأقول إنه -ربما- كان يقصد أن يتم عقاب أبو إسلام بمثل ما عاقبنا به المدرسة أو العكس فالتهمة واحدة، «مع إنها ليست واحدة أبدا لكن سنفترض أنه يتحدث عن مبدأ ازدراء الأديان أيا كان شكله»، لكن حتى حسن الظن المشروط هذا لم تكن له أى ترجمة صريحة فى المقال، أنا شخصيا أفضل حسن الظن لأخرج منه بنتيجة أن الأستاذ هويدى لم يحسن توصيل رسالته، فهذه النتيجة أرحم كثيرا من أى أفكار أخرى محتملة.