يقول أحمد شوقى فى رائعته مجنون ليلى «ليلى بجانبى كل شىء إذن حضر» وأول من أمس تلقيت تليفونا من فاتن حمامة فشعرت بعدها أن «كل شىء إذن حضر». كانت فاتن بصوتها الذى لا يمكن أن تخطئه أذن تشكرنى عن كلمة كتبتها قبل يومين بعنوان «فاتن تضىء ليالينا»، تناولت تكريمها فى الجامعة الأمريكية ببيروت، سألتنى كيف تدخل على «اليوتيوب» لتشاهد حفل تكريمها، لم يسعفنى سوى أن أقول لها ادخلى على «جوجل» واكتبى فاتن حمامة، وتحسبا لأى خطأ قلت لها اسألى أحدا من أبنائك، أجابتنى تقصد أحفادى. فاتن هى التى تستحق منا الشكر على كل ما أبدعته، ما الذى من الممكن أن يضيفه إليها مقال أكتبه أنا أو غيرى، وتعطلت لغة الكلام، والأبجدية لا توفيها حقها.
■ ■ ■
محافظ الأقصر الذى صار يحمل لقب سابق، عزت سعد، التقيته عدة مرات فى مهرجانَى الأقصر بنوعيه الإفريقى والمصرى الأوروبى، فى كل الندوات والحفلات السينمائية التى يشارك فيها كانت دائما ما تعلو مشاعر الغضب ضد الحكم الإخوانى، ولم أشعر أبدا أن الرجل يدافع عن تلك الدولة الدينية فهو ليس رجلهم، ولهذا كنت متأكدا أنه الهدف القادم لأى تغيير قادم للمحافظين، وجاؤوا على النقيض بمن هو كان متهما بقتل السياح فى حادثة الأقصر 97. خطأ الإخوان ليس الأخونة فهى فى كل الأحوال خطة أى فصيل يحكم فى أى بلد فى العالم، حيث يحاول أن يأتى برجاله لتنفيذ أهدافه، خطيئتهم مزدوجة أو لأنهم يكذبون عندما يعلنون لا أخونة، بينما هذا هو هدفهم الأثير والوحيد. ثانيا عندما يتقدم صفوفهم أكثرهم عشوائية وعدوانية وغشومية، لم يدركوا أن المصريين بعد 25 يناير شبوا عن الطوق وسقط للأبد الرئيس المقدس. محاولاتهم اليائسة لفرض آرائهم ورجالهم لم ولن تنجح. مثلا كان وزير الثقافة السابق صابر عرب ينفذ ما يريدونه حرفيا، ولكنه فى نفس الوقت كان حريصا على أن يسرب بين الحين والآخر رسائل للمثقفين تؤكد أنه فى جانبهم. كان صابر رجلهم وفى نفس الوقت يجيد اللعب مع المثقفين فهو أعلم بمفاتيحهم. وكان من الممكن أن يظل يلعب على الحبلين شقلباظ هنا وشقلباظ هناك، ولكنهم متعجلون فى تنفيذ السيناريو، فجاؤوا بعلاء عبد العزيز الذى صار يدير شؤون الوزارة من الجامع، راح يهتف مع الإخوان فى رابعة العدوية «على القدس رايحين شهداء بالملايين»، وهو يعلم أنه لا يستطيع أن يقترب ولو حتى مترا قريبا من وزارة الثقافة.
■ ■ ■
ماذا بعد، ما الذى سيحدث فى 30 يونيو لو لم تنجح المصالحة الوطنية، مع الأسف مصر ستجد نفسها على طريق الدماء، وهو ليس يوما ولكنه سيمتد بضعة أسابيع، عندما أقرأ عن ضرب مواطن من «تمرد» أو «تجرد» ليبرالى أو إخوانى، أنظر إليه أولا باعتباره مصريا، مصرى يضرب مصريا هى أسوأ لقطة من الممكن أن تراها فى هذا المشهد، هل يدرك الإخوان ما الذى فعلوه بنا، نعم هم أقلية الآن فى الشارع ولكن فى الحقيقة حتى لو كانت قوتهم العددية لا تتجاوز 5 أو 10%، فلا مجال لإقصاء أى فصيل. هل أدركوا أن عليهم ترك سلطة الدولة بعد سلسلة الأخطاء أو الحقيقة الحماقات التى ارتكبوها. مشروع الخلافة الإسلامية الذى يراودهم يعيدنا قرونًا إلى الخلف دُر. مصر ستظل هى مصر بخصوصيتها، بندائها الشهير «موسى نبى عيسى نبى محمد نبى وكل من له نبى يصلى عليه». هذه هى مصر إذا أرادوا أن يعيشوا على أرضها، كل من له نبى يصلى عليه، وكل من له فكر يلزمه هو فقط ولكنه لا يطبقه قسرا على الآخرين، من حقهم أن يعيشوا مع أنفسهم كما يحلو لهم بطقوسهم وجلبابهم وذقونهم ولكنهم لا يحكمون. أسوأ سيناريو أن يصبح الصراع هو أنا أما أنت، أو التلويح بورقة الجزائر والعشرية السوداء التى عاشها بلد المليون ونصف مليون شهيد بعد إقصاء الإسلاميين عن الحكم، علينا أن نحتكم إلى العقل وإلى صوت الصندوق. أرفض تماما مخاطر الإقصاء، لا إقصاء لأى فصيل، مصر تحتويهم نعم ولكنها كبيرة عليهم، كبيرة جدا، ولك يا مصر السلامة، واسلمى فى كل حين!