«لم يصل العداء بيننا وبين الحكومة كما وصل بيننا وبين الإخوان، كانت لكل منا إرادة حقيقية لاستئصال الآخر، وكانت عنده عزيمة للتناحر والقتال لأنه يرى أنه هو من يمثل الجماعة الأقرب إلى الحق».
«لقد كان قادة الإخوان يرون أنفسهم الجماعة الأم، وأنه على جميع الناس أن ينضووا إلى لوائهم، وإلا فإنهم سيؤخِّرون الدعوة عشرات السنين، وعلَّمتنا الجماعة أن نرد عليهم بقول الأخ عاصم عبد الماجد: إنهم إذا كانوا الجماعة الأم فنحن الجماعة الأب والرجال قوامون على النساء».
الفقرات السابقة من كتاب «الخروج من بوابات الجحيم» الذى يحكى فيه الكاتب ماهر فرغلى تجربته مع الجماعة الإسلامية من العنف إلى المراجعات، ولفت نظرى فى الكتاب المهم فصل بعنوان «نحن والإخوان» يتحدث فيه عن صراعات الجماعتين والتى وصلت إلى حد الضرب والقتال لسنوات غير قليلة.
تذكّرت هذه الأحداث الدامية والتى جرى بعضها داخل المساجد فى أسيوط والمنيا وغيرها من محافظات الصعيد، وأنا أرى قيادات الجماعة الإسلامية ورموزها التاريخية وهى تدافع بكل حماس عن الإخوان وتهدد معارضيهم بالضرب والاعتداء والويل والموت، كان كتيب «نحن والإخوان» الذى وزّعته الجماعة الإسلامية على أعضائها فى التسعينيات ممتلئا بالاتهامات للإخوان، ويحدد مواطِن الخلل والانحراف فى الفكر الإخوانى من وجهة نظرها، الآن لا يخجل قادة الجماعة من إعلان تأييدهم لمواقف الإخوان، وتحدى المجتمع من أجلهم، بل التهديد والوعيد لمن يجرؤ على انتقاد د.محمد مرسى وسياساته التى تكاد تعصف بالبلد وتُورِدها موارد الهلاك، حتى إن عاصم عبد الماجد أصبح الآن تابعا للجماعة (الأم)، يتلقى تعليماتها وينفِّذ أوامرها، فما الذى حدث وجعل المواقف تتغير من العداء إلى الموالاة، ومن القتال إلى التحالف؟ هل المراجعة التى أجرتها الجماعة الإسلامية فى السجون والمعتقلات شملت أيضا موقفهم من الإخوان؟ أم ما كانوا يأخذونه عليهم مثل خوض الانتخابات، وإنشاء أحزاب، ودخول البرلمانات، أصبح فى فكرهم الجديد حلالا؟ نعم تغير موقف الجماعة الإسلامية نحو خوض الانتخابات، وإنشاء الأحزاب، ودخول البرلمان، وهو ما كانوا يحاسبون الإخوان عليه، ولكن يبقى السؤال: ما الاختلافات الأخرى بين الجماعتين الآن؟ وإذا كانت الخلافات غير جوهرية، ولا تمسّ العقيدة وأن الرؤية السياسية أصبحت واحدة، فلماذا لم ينضم قادة الجماعة إلى الإخوان باعتبارها الجماعة الأم والأب -الآن- خصوصا أن الإخوان لديهم حزب سياسى وجماعة يقولون إنها دعوية؟ ولماذا لم تعتذر الجماعة الإسلامية عن اتهاماتها السابقة للإخوان؟
الحقيقة أن التحالف بين الجماعتين مؤقت، وكلتاهما تريد أن تستفيد من الأخرى، الإخوان يعتبرون الجماعة الإسلامية وحزبها السياسى الجناح العسكرى لهم، والعصا الغليظة التى يهددون بها معارضيهم، ولهذا فإن معظم تصريحات التهديد تخرج من قادة الجماعة الإسلامية، خصوصا أن ميراث الدم لهم يساعد على ذلك، بينما يظهر الإخوان كالحَمَل الوديع الذى يطالب الجميع بضبط النفس، فى المقابل تحصل الجماعة الإسلامية على مكاسب عديدة عاجلة وآجلة، فقد حصل معظم القيادات على عفو رئاسى عما ارتكبوه من جرائم، مما أتاح لهم الخروج من السجون، بل الترشح للمجالس النيابية والمناصب العامة، مثلما حدث مع أمير الجماعة الإسلامية فى أسيوط، الذى تم تعيينه محافظا للأقصر رغم مواقف الجماعة الرافضة للسياحة، وارتكاب أعضائها مذابح عديدة ضد السياح فى التسعينيات.
لكن الأهم من ذلك هو أن توطيد دعائم الإخوان فى الحكم يؤدى إلى القضاء نهائيا على التيارات العلمانية ودعاة الدولة المدنية، ووقتها يبدأ الصراع الإسلامى على الحكم، وتظهر من جديد دعاوى من هى الفرقة الناجية صاحبة الإسلام الصحيح، وتعود من جديد الصدامات، والمعارك، والحروب، والدماء بين هذه التيارات، وعلى الأخص بين الجماعة الإسلامية والإخوان، كلا الطرفين يرى أنه يستخدم الآخر لمصلحته، والحقيقة أن الشعب سيدفع ثمنا فادحا نتيجة الصراع بين الاثنين، والأخطر محاولات فرض الأفكار المتطرفة والرؤى المتشددة على المجتمع والتى نعانى منها منذ السبعينيات من القرن الماضى وحتى الآن، وبقاء الإخوان فى الحكم، معناه أننا فى طريقنا إلى تطبيق هذه الأفكار بالقوة والقانون والدستور، هذا هو المصير البشع الذى ينتظرنا، وإذا كانت الجماعات الإسلامية تدافع عن الإخوان من أجل مشروعها المتطرف، فمن الأولى أن يدافع الشعب عن حريته وحقه فى أن لا يستعبده أحد باسم الدين، وأن يخرج لإنهاء حكم الإخوان، مهما كانت التضحيات.