هدوء حذر فى تركيا بعد تهديدات أردوغان
لم يتوقع المراقبون أن تتسارع وتيرة الأحداث بهذا الشكل فى تركيا إلى درجة تهديد حكومة رجب طيب أردوغان بإنزال الجيش إذا لزم الأمر. ولكن نزول النقابات إلى ساحة الصراع حول مجرى هذا الصراع من مطالب بشأن الحريات والالتزام بعلمانية الدولة إلى مطالب اجتماعية كانت حكومة أردوغان تغض الطرف عنها. ومع ذلك لا يزال المشهد السياسى ملتبسا ومثيرا للقلق، خصوصا أن خطط الحكومة بشأن الأسباب الشكلية للاحتجاجات قيد التنفيذ إلى أن تحكم المحكمة بإيقاف عملية البناء فى ميدان تقسيم وجيزى بارك. أما الأسباب الحقيقية لهذه الاحتجاجات فستظل قائمة حتى جولة أخرى من الاحتجاجات قد تودى فعليا بحكومة أردوغان وحزب العدالة والتنمية إلى مجاهل التاريخ.
لقد نجحت حكومة أردوغان فى استثمار علاقاتها مع بعض الدول الكبرى للتعتيم على حقيقة ما يجرى والأسباب الحقيقية للاحتجاجات التى دخلت يومها العشرين. ولكن ذلك لا يعد ضمانة، خصوصا أن خارطة الأحداث الإقليمية تتغير بسرعة وترتبط أكثر فأكثر باللاعبين الكبار فى مجلس الأمن الدولى. وكان من شأن الأحداث فى تركيا أن تؤثر بوضوح على موقف أنقرة بشأن الأزمة السورية وتحدث به بعض التراجع الملحوظ بعد أن كانت تركيا من الصقور الأشد تطرفا فى حل الأزمة فى سورية. فقد أجرى مبعوث الرئيس الروسى إلى الشرق الأوسط، نائب وزير الخارجية ميخائيل بوجدانوف، مع نائب وزير الخارجية التركى فيرودين سينيرلى أوغلو «دورة استشارات وزارية» جديدة حول قضايا الشرق الأوسط. وقالت وزارة الخارجية الروسية إنه تم خلال الحديث الذى جرى بين الجانبين فى موسكو «التنويه إلى أهمية عقد المؤتمر الدولى حول سوريا والذى بادرت إليه روسيا والولايات المتحدة». وأكد الجانبان «ضرورة وقف إراقة الدماء فى أقرب وقت وتحويل الوضع إلى مسار التسوية السياسية وفق بيان جنيف لـ(مجموعة العمل) الصادر فى 30 يونيو 2012». قبل ذلك وفى ١٤يونيو الحالى، شدد نائب رئيس الوزراء التركى بشير أطالاى على أن ما يجرى فى سوريا هو حرب أهلية، وأن بلاده تقف مع المجتمع الدولى فى موقفه حول ما يدور هناك. جاء هذا التصريح فى مؤتمر عقد فى واشنطن حول تركيا، تحدث فيه المشاركون عن الدور الذى تلعبه أنقرة فى المنطقة وبخاصة فى سوريا. المعروف أن تركيا تلعب دورا كبيرا فى الأحداث التى تجرى فى المنطقة، ولكن فى الوقت الذى يرى فيه البعض الدور التركى محوريا، ينتقد آخرون هذا الدور وبخاصة فى ما يتعلق بالأزمة السورية. لكن الأهم، وفق مراقبين، أن تركيا نفسها الآن لم تعد بمنأى عن الأحداث فى المنطقة، بل امتداد لما يجرى فى المنطقة العربية. لكن نائب رئيس الوزراء التركى شدد على أن ما يجرى فى بلاده ينحصر فى معارضة المحتجين لمشروع البناء فى ميدان تقسيم وليس ربيعا تركيا. وبغض النظر عما إذا كان السبب دافعا بيئيا ومعارضة لهدم مبنى أثرى أو بسبب معارضة الشارع لسياسات الحكومة، فإن هذا يشى بأزمة جديدة فى تركيا لن تؤثر فقط على تعامل تركيا مع الأحداث فى المنطقة، بل وعلى قدرتها على التأثير بشكل فعال فى هذه الأحداث. وفى سياق متصل، ومع تراجع دور تركيا مؤقتا فى سوريا وأحداث المنطقة، بل وخضوع أردوغان وحكومته للطرح الروسى فى ما يتعلق بسوريا، بدأ الغرب يستعين بالسعودية التى بدأت، حسب مصادر خليجية، بتزويد المعارضة السورية بالصواريخ المضادة للطائرات منذ نحو شهرين «على نطاق صغير»، وسوف تزداد وتيرة التزويد لاحقا. علما بأن المعارضة السورية المسلحة حصلت على هذه الصواريخ من موردين فى فرنسا وبلجيكا بشكل أساسى، ودفعت فرنسا دفعت ثمن نقل هذا السلاح إلى المنطقة. غير أن السعودية بدأت بالقيام بدور أكثر نشاطا فى الأزمة السورية خلال الأسابيع الاخيرة، نظرا لتكثيف الأعمال القتالية، وتراجع دور تركيا بسبب الأحداث الداخلية.