من الطبيعى أن تقف مصر بعد الثورة فى صف الشعوب التى تكافح من أجل حريتها. لكن الشعب السورى تحديداً، الذى يحتل مكانة خاصة فى قلوب المصريين، قوبلت ثورته منذ انطلاقها بتضامن من ثوار مصر وانحاز الشعب المصرى وحكومته لثورة سوريا. لكن الكفاح السورى من أجل الحرية اتخذ مسارات أدت لتعقيد مذهل للموقف على الأرض. فتخلى بعض قوى الثورة السورية عن السلمية واستخدامها السلاح فى مواجهة النظام أدى لتغيير جوهرى، لأن المواجهة المسلحة تتطلب وجود إمدادات مستمرة بالسلاح لطرفى المواجهة. ومن هنا برز المتغير الأهم فى تعقيد الموقف. فقد تحولت الأراضى السورية فى شهور قليلة إلى ساحة حرب بالوكالة بين أطراف دولية وإقليمية عدة صارت طرفاً أصيلاً فى المعادلة، حيث راح كل منها يسعى لإعادة تشكيل الوضع وفق مصلحته. فبينما وقفت روسيا وإيران وحزب الله بوضوح مع النظام السورى، ساعدت أطراف خليجية وأوروبية فضلاً عن الولايات المتحدة وتركيا قطاعات بعينها من المعارضة المسلحة. أما إسرائيل فقد ظلت، فى أغلب الأحيان، تعمل من وراء ستار ولكنها برزت فى لحظات بعينها طرفاً علنياً مباشراً. وحرب الوكالة الدائرة فى سوريا حرب ضروس تأتى على الأخضر واليابس، ومرشحة للاستمرار لفترة ممتدة. وقد ابتليت سوريا باستخدام ورقة الفتنة بين السنة والشيعة مما زاد الوضع تعقيداً وخطورة، رغم أن الثورة السورية لم تقم ضد النظام «العلوى الشيعى» وإنما ضد النظام «المستبد» أياً كان مذهبه. وسواء كان النظام السورى هو الذى استخدم الأسلحة الكيماوية كما تعلن أطراف دولية، أو كانت المعارضة هى التى استخدمته كما تقول أطراف دولية أخرى، فالمؤكد أن الخاسر الوحيد هو الشعب السورى الذى طالته تلك الأسلحة وصار محاصراً فى قراه ومدنه.
وإزاء هذا الوضع المؤلم، كان على مصر شعباً وحكومة واجب بالغ الأهمية تجاه ما يجرى فى سوريا. فمن حق أشقائنا السوريين، أولاً، أن نفتح لهم أبوابنا بل وبيوتنا وقلوبنا بعد أن لجأوا لمصر هرباً من جحيم القتل والدمار. ومن حق الشعب السورى، الذى يعشق مصر، أن يتلقى أبناؤه فيها المعاملة الكريمة والدافئة التى يستحقونها فى بلدهم الثانى. ومن واجب مصر ثانياً أن تلعب دورها المتوقع منها فى وقف نزيف الدم السورى. ومصر كانت وحدها تقريباً المؤهلة للقيام بهذا الدور. فمع موقفها الصريح فى الانحياز للثورة السورية، لم تتورط فى حروب الوكالة الدائرة على أشلاء أشقائنا السوريين. ومن ثم كان بإمكانها أن تلعب دوراً سياسياً يؤدى للتوصل لحل يحقن الدماء. ومصر أعلنت بالفعل عن مبادرة رباعية لم يكتب لها النجاح لأسباب كان منها أن أطرافها الثلاثة الأخرى، تركيا والسعودية وإيران، لم ترحب بالتعاون فيما بينها.
لذلك كله، لم أفهم بالضبط ما الفائدة التى ستعود على أشقائنا السوريين، ولا على مصر بالمناسبة، من قرار قطع العلاقات مع سوريا. ففى مؤتمر كان الواضح أن دعم سوريا فيه مجرد غطاء لاستعراض قوة التيار الإسلامى لأسباب داخلية، أعلن الرئيس، دون سابق إنذار، قطع العلاقات، فألغى فوراً دور مصر فى مساعدة السوريين. فلأنها لم تتورط على الأرض فى سوريا، فإن مصر ليس بإمكانها أن تلعب دوراً أو تمارس نفوذاً لوقف الكارثة السورية إذا ما كانت خارج الحلبة الدبلوماسية والسياسية أصلاً. ولا أفهم كيف تعارض مصر حزب الله دون باقى أطراف حرب الوكالة على نحو بدا طائفياً لا مبدئياً. غير أنه حتى لو عارضت مصر كل أطراف حرب الوكالة، فإن تلك المعارضة تصبح بلا أثر حقيقى إذا كانت مصر خارج اللعبة السياسية والدبلوماسية أصلاً.