(1)
«تحسين شروط العبودية»: هى الحالة التى يبدأ فيها المرء فى التظلم: بالشكوى، من أن ظروفه غير ملائمة، ولكنه لا يتحرك لتغيير هذه الظروف.. وإن تحرك يلجأ للقنوات التى تنتمى لنفس الكيانات التى ساهمت فى خلق هذه الظروف غير الملائمة منتظرا منها الإنصاف.. فى هذا الإطار يتحرك المرء فى نفس السياق دون أن يسعى إلى إحداث أى تغيير.. ولكن ومع استمرار الظروف الضاغطة يتمرد المرء.. فماذا يعنى التمرد؟
(2)
«التمرد»: هو الحالة التى يبدأ فيها الإنسان برفض الواقع انطلاقا من حالة ذهنية ونفسية واعية بضرورة هذا الرفض.. ذلك لأن هناك معاناة حقيقية من أفعال وتصرفات الأبنية القائمة: الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية... أفعال وتصرفات أوجدت حالة «استعبادية» محكمة ومتشابكة من الظلم والقهر والاستغلال والسيطرة على الناس.. ومن ثم ينطلق المتمرد/المتمردون، بوعى، فى ابتكار ممارسات تخلخل من علاقات التبعية بين الأبنية السائدة والبشر.. التى تصور البعض أنها استقرت وأنها تستمر إلى ما لانهاية.. أو بلغة أخرى كسر العلاقة النمطية التاريخية بين السيد والعبد أو التى تجملت ـ تاريخيا ـ بعد ذلك تحت مسمى السلطة الأبوية.. فتحت هذا المسمى ربما يخجل البعض من فك الارتباط أو كسر القيود.. ولكن استفحال الغبن وتجاوزه لأى مدى مهما كان المسمى يدفع بالتمرد.
(3)
«التمرد»: يبدأ «بكسر» كل المحاذير التى عنوانها «الخوف من الحرية» (إذا ما استعرنا تعبير إريك فروم).. المحاذير التى تقول بأن الحرية قد تؤدى إلى الفوضى، وأن الحرية ليست من حق كل البشر فهى لها ناسها.. وأن السيد يعرف/ السلطة تعرف أكثر ومن ثم على الناس القبول بما تراه.. وحصر عملية صنع القرار أو تدبير مصائر الناس فى أيدى قلة: حاكمة، أو دينية، أو اقتصادية،.. إلخ. يلى ذلك جرأة التمرد.
(4)
«جرأة التمرد»: هى الحالة التى يكتسبها الناس مما سبق.. جرأة تتمثل كما يقول ألبير كامى فى: «التحرر برفض يتطابق مع الموت»... أو الاستعداد للتضحية بالحياة من أجل أن يؤتى التمرد ثماره، تحرر من أسر البنى الظالمة وأنظمة الحكم الشمولية السياسية والدينية، ومن القهر والتهميش والإقصاء.
وفى «الإبداع» بابتكار أفكار وممارسات «تمردية» ـ إن جاز التعبير ـ تدفع بعملية التغيير قدما إلى الأمام.. وتجاوز الأشكال النضالية النمطية.
وأخيرا تسهم جرأة التمرد فى جعله «حالة جماعية» أى تنقله من جهود فردية أو فئوية أو نوعية إلى حالة «مواطنية» عامة.
(5)
إذن جرأة التمرد: تحرر، وإبداع، ومواطنة،.. هى ما نشاهده الآن ويعكس أن سياقا جديدا آخذ فى التشكل.. أبطاله أجيال جديدة لا تخاف الحرية بل تعيشها وتمارسها وتدفع ثمنها.. ليست لها حسابات الأجيال القديمة.. كما أنها أكثر مغامرة.. ولديها القدرة على المبادرة والمباغتة المبدعة، ذلك بخلق أشكال حركية ونضالية مجتمعية جديدة تتجاوز كل ما هو نمطى.. وبالأخير، استعادة الناس إلى السياسة من خلال فعل المواطنة.. وتشجيع المترددين وتأمين الخائفين وتحفيز اليائسين..
وإدراك أن السياسة ليست معركة الجولة الواحدة..
وإنما هى عملية نضالية ممتدة شريطة إدراك من هم الخصوم وما هى المعركة التى يجب أن نخوضها...
والتى فى ظنى ـ وكما أشرت أكثر من مرة ـ أنها معركة: الدفاع عن الدولة الوطنية الحديثة...
المجد للشباب ولجرأة التمرد التى ولدت فينا.