المقولة الساذجة الجوفاء للشيخ حسن البنا، مؤسس جماعة الإخوان، عن أستاذيتهم للعالم تطرح تساؤلا بسيطا فى غاية الأهمية يتلخص فى الآتى: ما الخطة اللوذعية التى وضعها فضيلته للوصول إلى هذه الأستاذية؟ لا توجد أمة فى مختلف العصور لم تطمح فى أن تكون «أستاذة» للعالم. أى أن تقدم له نموذجا ومثلا أعلى يحقق آمال البشر وطموحاتهم فى العدل والتقدم، لكى تجبر الدنيا فى عصرها على الاقتداء بها وتدفعها، لكى تقتدى بتلك الأمة «الأستاذة» طمعا فى الوصول إلى بعض ما أنجزته من تقدم مبهر. الصين أستاذة للعالم فى تحقيق أعلى معدل للصادرات صنعته دولة على مر التاريخ! هذا نوع من الأستاذية. اليابان أستاذة للعالم فى التكنولوجيا وتطويع العلم لخدمة الصناعة. أمريكا أستاذة للعالم فى غزو الفضاء. الهند أستاذة للعالم فى البرمجيات، وغيرهم وغيرهم. الهزل كل الهزل أن تطمح أمة أو دولة فى أستاذية العالم بشكل مطلق (وش كدهه) ودون أن تحدد نوع التفوق الذى تريد أن تبرع فيه، ولا خطتها المنهجية للوصول إلى ذلك الهدف! هذا الموقف يمنحها فى الحقيقة أستاذية العالم فى الهزل عن جدارة! شعورك الغامض بأنك تستحق أن تكون أستاذا للعالم دون أن تمتلك أية مقومات واقعية تنتظمها خطة منهجية محددة تضعك على طريق التفوق، فى أى شىء على الإطلاق، حتى ولو كان فى اختراع ماكينة لتخريط الملوخية، هو قمة فى العنصرية والانعزال والسباحة فى عالم من الخيالات المريضة يخصك بمفردك. هذا للأسف أحد تعريفات البارانويا، التى يطلق عليها جنون العظمة المصحوب بمركب النقص وعقدة الاضطهاد! مركب النقص يصنعه انعدام الإنجاز، والافتقار إلى المؤهلات اللازمة لذلك، الأمر الذى يجعل صاحبه يشعر بالمهانة، ويدفعه إلى ادعاء عظمة زائفة لا يمتلكها، تخلق له نوعا من التوازن يحميه من الانهيار. هنا يأتى دور العقل الباطن لكى يحمى صاحبه المريض من الانفضاح أمامه نفسه وأمام الآخرين، فيبرر له فشله الدائم بدعوى وقوعه فى فخاخ مؤامرات تحيكها قوى الشر لكى تمنعه من التقدم صوب هدفه لتحقيق أستاذيته! (يا خبر اسود) وقعنا مع النمر الإخوانى الأطرش! ألا يفسر لك هذا التحليل لماذا تتأرجح قيادات وكوادر تنظيمهم الذى يحلم بأستاذية العالم ما بين محدودى القيمة والانتهازيين؟ الإجابة البسيطة لأن محدود القيمة والذكاء والخيال والإبداع هو شخص مؤهل تماما للإيمان بنظرية طفولية ساذجة كتلك، لا تحمل أى خطة واضحة يمكن مناقشتها وتطويرها بصورة واقعية. أما الانتهازى فهو شخص ينتمى إلى ذلك التنظيم مرحليا لتحقيق مصلحته ومصلحتهم. ذلك الانتهازى مهما بلغ ذكاؤه لا يمكنه أن يتفانى ويبدع من أجل نظرية لا يؤمن بها. جل ما يمكنه هو أن يتحول إلى بلطجى يقوم بتنفيذ أجندة يطلبها أسياده. طبعا سيتصدى أصحاب الأدمغة المغسولة للدفاع عن مقولة حسن البنا الساذجة تلك عن أستاذية العالم، ويرفعون عقيرتهم قائلين إن الإسلام يكفى بمفرده لكى يحقق لأصحابه التفوق والأستاذية على الدنيا وما فيها، ولهم نقول كان غيركم أشطر. إسلام السعودية الغنية صنع منهم فرجة للعالم لا أساتذة له، والبركة فى خزعبلات بن باز عن الأرض المسطحة التى لا تدور، وبتحريمه قيادة المرأة السيارة! إسلام طالبان أهان الأفغان وأهان البشرية بتدميرهم لتماثيل بوذا، وزراعتهم للأفيون كمحصول قومى وتفاخرهم بذلك! أهذا هو إنجازهم؟ الدولة الوحيدة ذات الأغلبية المسلمة التى صنعت تفوقا اقتصاديا ملحوظا هى تركيا العلمانية التى تفصل بين الدين والسياسة، التى يثور شعبها الآن ضد أردوغان لأنه يتسلل بخطوات محسوبة لهدم علمانية الدولة بقرارات لا تتفق مع مبادئ أتاتورك. المسلمون على مدار أربعة عشر قرنا لم يجتهدوا للخروج بنظرية سياسية واحدة يتفقون عليها يستلهمونها من الإسلام. تعدد الفرق الإسلامية التى تزعم كل منها أنها الفرقة الناجية نسفت فكرة النجاة الجماعية من أساسها، وأثبتت صحة العودة بمفهوم النجاة إلى أصوله الصوفية كعلاقة خاصة بين العبد والرب. فكرة أستاذية العالم التى يقدمونها لنا فى كبسولة إسلامية نبتلعها ببلادة على الريق صباحا وقبل الدخول إلى فراشنا فى المساء، تختزل التقدم فى مجرد اعتناق الإسلام. هل يكفى هذا لتحقيق التقدم؟ أم أنه يصنع مشكلة تشبه فكرة امتلاك المال الذى لا يمكنه أن يحقق السعادة بمفرده، بل يحتاج إلى خطة لإنفاقه فى ما يصنع السعادة! الإسلام كذلك لا يصنع الأستاذية بمفرده، بل يحتاج إلى خطة لاستخدامه فى ما يمكن أن يحقق أستاذية فى مجال بعينه، يقدم نموذجا يتعلم منه العالم. للحق الإخوان وأتباعهم أساتذة فى الدجل والكذب والانتهازية، وفى إضفاء رأسمالية متوحشة على الإسلام تجعل منه دينا لا يرى العدالة الاجتماعية من منظور حقوق الإنسان، بل يراها من منظور الصدقة التى يتطوع بها الغنى لكى لا ينام جاره بلا عشاء! رغم أن ذلك الغنى، الرقيق القلب، صنع ثروته بلا أى ضوابط لاحترام حق جاره الفقير فى اقتسام ثروة الوطن وخيراته، فى مجتمع متزمت لا يحترم الحريات والإبداع! سنخرج ضد الإخوان فى 30 يونيو ليس فقط لأنهم أساتذة العالم فى الفشل، ولكن أيضا حتى لا نصبح شعبا أهدر ثورته ودماء شهدائه وأصبح أستاذا للعالم فى خيبة الأمل.
أبطال العالم فى الخيبة
مقالات -
نشر:
18/6/2013 3:25 ص
–
تحديث
18/6/2013 9:19 ص