اسمحوا لى أولا أن أقدم لكم نفسى بصفتى إحدى الآلاف من العصافير المصرية التى تعيش منذ مولدها فى سماء القاهرة العتيدة وأنا بلا شك أفخر بجنسيتى المصرية، حيث كان أجدادى من العصافير يعيشون على هذه الأرض منذ فجر التاريخ بعد اختفاء الديناصورات من على وجه البسيطة مما أتاح فرصة العيش لأمثالنا من المخلوقات الأقل حجما، ومنذ أيام الجدود عاشت العصافير مغردة سعيدة تتنقل من شجرة إلى أخرى فى الأراضى المصرية وتشاهد من سماوات القاهرة المفتوحة التطورات السياسية على الأرض عبر العصور المتعاقبة، والصراحة أن المصريين لم يتدخلوا أبدا فى شؤون العصافير وسمحوا لهم بالاستمرار فى العيش الكريم، حيث وجدت العصافير دائما قوت يومها ولم تضطر أبدا إلى الهجرة للخارج مثلما فعل بعض المصريين أنفسهم فى النصف الثانى من القرن العشرين.
ولكن اسمحوا لى اليوم أن أعرب عن القلق «العصافيرى» الشديد من مسار الأمور حاليا فى وطننا العزيز وفى هذا المقام يجب توضيح أننى أتحدث نيابة عن أهلى وعشيرتى من العصافير فى كل مكان من أرض مصر الحبيبة، وذلك رغم أنه لم يتم انتخابى كمتحدث باسمهم من خلال «الصندوق» لصعوبة وضعه على الشجرة، ولكننى تجرأت على القيام بهذا الدور اليوم انطلاقا من مبدأ «الشرعية الثورية» بالنظر إلى أن التطورات تدل على أن مسألة «الصناديق» لم تعد دليلا لا يقبل الشك على مسألة «الشرعيات الأخرى»، وأنا حريصة هنا على عدم التدخل فى الشأن السياسى المصرى فنحن العصفورات والعصافير مثلنا مثل القوات المسلحة المصرية والشرفاء من قوات الشرطة «نقف على مسافة واحدة من جميع الأطراف» كما أننا نؤكد أننا لن نشارك فى النزول للشارع يوم ٣٠ يونيو فهذا أمر يخص «البنى آدمين» المصريين الذين نلاحظ من السماوات المرتفعة وفى أثناء استعدادنا للنوم على الأشجار وسماع بعض «طراطيش» الكلام فى التليفزيونات على البرامج الحوارية أنهم غاضبون من رئيسهم وأهله وعشيرته، وبمناسبة هذا الموضوع فإننا نتقدم لشرطة المرافق التابعة لوزارة الداخلية بالشكوى من الضوضاء الفضائية التى تمنعنا من النوم حتى تباشير الصباح، وبالتالى تصحو العصافير مجهدة وقد يمنعها ذلك أحيانا من «الزقزقة» التى هى جزء لا يتجزأ من تراث الحياة اليومية المصرية الذى يجب الحفاظ عليه إلا إذا كان وزير الثقافة يلاحظ فسادا فى «إجراءات الزقزقة» أو التربح من خلالها أو استخدام الأشجار للإقامة بدون عقود قانونية.
ولإثبات حسن نوايا عشيرتى من العصافير فإننا نؤيد حكومة معالى رئيس الوزراء فى قطع النور يوميا بغض النظر عن الأسباب والدوافع، فالظلام ولا شك يساعدنا على وضع صغار العصافير فى أَسِرَّتهم والنوم بهدوء والاستيقاظ مبكرا، ولكننا فى ذات الوقت لدينا عتاب شديد على فضيلة مرشد الإخوان الذى لم يعتبرنا جزءا من الشعب المصرى، حيث قال فى خطابه بعد أحداث الاتحادية كلمته الشهيرة «ما ذنب النباتات؟» ولكنه لم يتعاطف مع العصافير ولم يذكرهم فى الفئات المتضررة من الأحداث التى مرت بها مصر فى العامين الماضيين، رغم أن لدينا ضحايا كثيرين من الذين أصابتهم «نيران صديقة» من الجانين وانتقلوا إلى رحمة الله، وآخرون احترق ريشهم وأصبحوا عاجزين عن الطيران، ورغم ذلك لم نطالب بتعويضات أو نعلن الإضراب عن «الزقزقة» حتى تُحسَّن أحوالنا المعيشية وإنما تحملنا تغير الظروف استجابة لدعوة «أول رئيس منتخب ديمقراطيا من خلال الصندوق»، وهذا بالمناسبة لقب جديد للرؤساء لم نرصده منذ أيام الفراعنة، المهم استجبنا لدعوته بضرورة «الاصطفاف» فى هذه اللحظة المصيرية، وبالتالى استمررنا فى ممارسة أعمالنا اليومية ودفعنا عجلة إنتاج «الزقزقة والرفرفة» لتتعدى الطاقة القصوى المقررة دون أن نطلب حوافز إضافية أو رفع الحد الأدنى «لفتافيت العيش» اليومية، ولكننا مع ذلك قررنا آسفين عدم حضور «مولد الصالة المغطاة» الاصطفافى لأسباب عديدة، أولها أننا عندنا كعصافير ثورية حرة مشكلة نفسية متوارثة من الأماكن المغلقة بسبب رغبة البشر غير المفهومة للمنطق العصافيرى بوضعنا دائما فى أقفاص، والتى يفسرها مجلس الحكماء العصافيرى أحيانا بخوف البشر عبر التاريخ من الطاقات العصافيرية إذا أطلق لها العنان. على العموم ما علينا فهذه نقطة جانبية ليس هذا مجال نقاشها، أما ثانى أسباب عدم حضورنا لمولد الصالة المغطاة هو تبنينا مبدأ عدم التدخل فى شؤون عصافير الدول الأخرى، خصوصا سوريا الشقيقة وثالث الأسباب هو عدم توجيه دعوة رسمية لنا بهذه المناسبة والاستهانة بائتلافنا الثورى الوليد، وبالتالى فنحن نعلن فى بياننا الأول هذا أن الائتلاف العصافيرى لن يدعو للنزول رسميا يوم 30 يونيو تقديرا لجهود الحكومة الرشيدة فى خطة الـ300 يوم للإظلام، ولكنه كائتلاف ديمقراطى سيترك لأعضائه، تأسيا بحزب غد الثورة، حرية النزول كعصفورات وعصافير و«الاصطفاف» السلمى فى الجنب اللى يريحهم وربنا يولِّى من هو أصلح!