إذا كان الخلل فى إدارة السياسة المالية ينصرف فى معظمه إلى طريقة وضع المخصصات المالية للإنفاق الحكومى، والذى يعكس نمطا غير رشيد Rationality فى إدارة مواردنا المحدودة، فأن الجانب الآخر من الخلل يأتى فى البعد الاجتماعى المفتقد للسياسة المالية والمتمثل فى زيادة الأعباء الضريبية وغير الضريبية على كاهل الفقراء والطبقة المتوسطة بصورة أساسية.
ووفقا لمشروع موازنة للعام المالى الجديد (2013/2014) فإن مصادر الإيرادات الحكومية ثلاثة هى:
1-الضرائب: التى زادت من 207.4 مليار جنيه فى العام 2011/2012 إلى 266.9 مليار جنيه فى العام التالى، ثم ها هى فى عام 2013/2014 يقدر لها أن تصل إلى 356.9 مليار جنيه، أى بزيادة 33.6% فى عام واحد.
2-المنح: التى من المقدر أن تنخفض من 9.0 مليارات جنيه فى العام الماضى إلى 2.4 مليار جنيه فى العام الجديد.
3-ثم أخيرا الإيرادات الأخرى التى هى فى معظمها إيرادات شبه ضريبية وإتاوات من الشركات العامة وهيئتى البترول وقناة السويس، والتى من المقدر أن تزيد من 117.5 مليار جنيه فى العام الماضى ( 2012/2013) إلى 137.9 مليار جنيه فى مشروع موازنة العام الجديد 2013/2014
ويهمنا هنا أن نتوقف عند «الضرائب» بكافة أنواعها، حتى يتبين للرأى العام أن السياسة المالية عموما والسياسة الضريبية خصوصا لم يطرأ عليها تغيير بعد ثورة الخامس والعشرين من يناير، اللهم مزيدا من الأعباء على كاهل الفقراء والطبقة المتوسطة المصرية.
فإذا تأملنا مكونات هذه الضرائب المقدرة لهذا العام وهى 356.9 مليار جنيه سوف يتبين لنا الحقائق التالية:
1-إن الضرائب على الدخول من التوظف قد زادت من 20.8 مليار جنيه فى العام الماضى إلى 21.4 مليار جنيه فى الموازنة الجديدة وبالتالى لم يتحسن دخول كاسبى الأجور والرواتب.
2-وأن الضرائب على دخول الأفراد بخلاف التوظف قد زادت بدورها من 9.8 مليار جنيه إلى 11.9 مليار جنيه مثل الضرائب على أصحاب المهن غير التجارية كالمهنيين.
3-وأن الضرائب على أرباح شركات الأموال وهى تأتى أساسا من هيئة البترول والشريك الأجنبى وقناة السويس وباقى الشركات الحكومية قد زادت من 89.7 مليار جنيه إلى 120.5 مليار جنيه.
4-وأن الضرائب على الممتلكات ومعظمها على عوائد الأذون والسندات الحكومية والسيارات قد زادت من 19.4 مليار جنيه إلى 24.1 مليار جنيه.
5-أما الضرائب على السلع والخدمات ومعظمها ضريبة المبيعات فقد زات من 100.7 مليار جنيه إلى 144.2 مليار جنيه ( أى بنسبة زيادة 44.0% مرة واحدة).
أى أن الأعباء الضريبية فى معظمها (90% تقريبا) تقع على عاتق الشركات والهيئات العامة والحكومية، وينتقل أثرها مباشرة إلى عموم المستهلكين والمواطنين، فيتحملها الفقراء ومحدودو الدخل والطبقة الوسطى بأكثر مما يتحملها الأغنياء والشركات الخاصة والاحتكارات الكبرى التى تحقق أرباحا كبيرة وتحظى غالبا بإعفاءات ضريبية منذ سنوات طويلة، ولدينا فى هذا الصدد قائمة تضم حوالى ألف شخص من كبار رجال المال والأعمال فى العهد السابق واللاحق وشركاتهم الكبرى، لم يزد نصيبهم من الأعباء الضريبية على 10.0% من الحصيلة الضريبية.
بل إن البيان الذى نشرته إدارة الفحص والتحصيل التابعة لمصلحة الضرائب العامة فى 28/2/2013 حول المتأخرات الضريبية التى زادت على 61.0 مليار جنيه، نجد معظمها (حوالى 41.0 مليار جنيه) لدى القطاع الخاص، والمصيبة أن 37.0 مليار جنيه منها مازالت تحت التنازع القضائى وغير القضائى، أى أنهم فعليا لا يدفعون الضرائب المتواضعة المفروضة عليهم، مثل رجال أعمال الكويز والمستوردين الكبار والمضاربين فى البورصة وسوق الأوراق المالية وغيرهم.
خذ مثلا الضرائب على السجائر والتبغ، لقد تضاعفت الضرائب المفروضة عليها من 18.9 مليار جنيه فى العام الماضى إلى 32.1 مليار جنيه فى العام المالى الجديد؟ !
أما تذاكر السفر فقد زادت بدورها من 290.0 مليون جنيه إلى 328.0 مليون جنيه، والمعروف أن أكثر من يتحملها هم العمال المصريون الذين يعملون بالخارج.
هذه العقلية الجبائية لم تتغير أبدا من عهد وزير المالية الدكتور محمد الرزاز فى منتصف التسعينيات مرورا بيوسف بطرس غالى إلى وزراء جماعة الإخوان المسلمين، ومن يحلل بنود الموازنة العامة للدولة، سواء فى جانب النفقات أو فى جانب الإيرادات طوال هذه الفترة الطويلة – وقد قمنا نحن بهذا العمل – يكتشف نمطا واحدا يسير من عام إلى آخر، وجوهره يقوم على ثلاثة ركائز هى:
الأولى: زيادة مستمرة فى النفقات الحكومية دون مراجعة جادة لترشيد النفقات ومراجعة سياسة الإنفاق العام أو إعمال مبادئ فاعلية النفقات العامة Efficiency Of Public Expendature.
الثانية: زيادة مقابلة ومطردة فى الأعباء الضريبية على بنود بعينها تمثل ضرائب مباشرة أو غير مباشرة تمس دخول محدودى الدخل وكاسبى الأجور والرواتب والشركات العامة والهيئات العامة، ينتقل أثرها السعرى غالبا إلى جمهور المستهلكين دون تمييز فيكون ضررها أكبر على الفقراء والطبقة الوسطى.
الثالثة: التحفظ الشديد والتراجع المستمر فى إضافة أعباء ضريبية على كاسبى الأرباح والشركات الخاصة وكبار الأغنياء تحت لافته مضللة هى «تحفيز الاستثمار» و«تشجيع المستثمرين»، كما حدث فى قانون الضرائب على الدخل رقم (91) لسنة 2005 الذى خفض الوقع الضريبى على الأغنياء وكبريات الشركات من 40.0% إلى 20.0% كحد أقصى، ولم يتحرك بعد الثورة المصرية إلا بوجل وتردد إلى 25% على شرائح الدخل الأعلى من 250 ألف جنيه، حتى عشرة مليارات جنيه بنسبة واحدة، وتدليلا على استمرار السياسة نفسها فى عهد الدكتور محمد مرسى ورئيس وزرائه متواضع الأداء فقد ألغيت ضرائب الأرباح الرأسمالية التى كانت قد فرضت فى فورة حماسة والمقدر لها أن تأتى بحوالى 4.3 مليار جنيه وأدرجت فعلا فى الإيرادات المتوقعة لهذا العام، بعد أن كانت هذه الضريبة لا تحقق فى العام الماضى سوى 98.0 مليون جنيه.
إذن نحن بصدد خلل بنيوى فى المدركات السياسية ونمط التحيزات الاجتماعية لمن يديرون السياسة المالية والضريبية قبل ثورة الخامس والعشرين من يناير وبعدها، ومن ثم فإن ترديد هذه الحكومة وجماعة الإخوان المسلمين التى تقف خلفها وأمامها أنهم من أنصار العدالة الاجتماعية، هى مجرد أكذوبة كبرى كغيرها من الادعاءات التى طارت مع أول ريح خفيفة جاءت على مقاعد الحكم.