تبرز مشكلة جهاز الأمن فى سلوكه وفى الميراث الذى خلفه فى ذاكرة المواطن قبل الثورة، والذى كان السبب فى الإطاحة بالنظام السابق، ومن ثم كان أول من انهار، حتى إنه سقط قبل سقوط مبارك. فى كل هذه الظروف بدا إصلاح «الأمن» معضلة. وزادت الأمور قتامة بتغير المزاج الشعبى، فلم يعد المواطن يفرق بين الحرية والفوضى، كما تغيرت بفعل أزمات المجتمع شكل الجريمة، وزاد الطين بلة محاولة السلطة تسخير الشرطة لصالح الإخوان.
وسط كل هذه القيود أصبح الأمن مكبلاً، ليس فقط من خارجه، حيث تراكمت أيضًا المشكلات الداخلية بجهاز الأمن، فأصبح يعانى من أفراده أنفسهم، الذين ما فتئوا يطلبون المزيد من الحصانات الخدمية التى تفضى فى النهاية لنزع الصفة العسكرية عن جهاز الشرطة، وذلك بحجة تحقيق المساواة بين أفراد الشرطة وبعضهم البعض فى أمور كالعلاج والترقى.
وإذا انتقل المرء إلى أرض الواقع، فيلاحظ على الرغم من التزام أفراد الأمن الصبر فى الكثير من مواقع الأحداث، إلا أن هناك تجاوزات ليست بالهينة رصدتها منظمات حقوق الإنسان، رجعت فى جزء منها لعدم تنفيذ برنامج الهيكلة الذى وعد الإخوان بتحقيقه فى مرفق الأمن.
على أن هذا الأمر لم يكن ليعنى الدعوة لترك الحبل على الغارب، إذ إن مرفق الأمن هو المكلف وحده باستخدام العنف وفقًا للدستور والقانون. هنا يتوجب التأكيد على أن عدم التنسيق بين النيابة والشرطة وغياب تسليح جهاز الشرطة هو أمر مقرر من «الإخوان»، مما أدى إلى ظاهرة مقتل أفراد الأمن وحماية المجرمين بشكل يومى. وقد سعى «الإخوان» بنجاح فى تعويض هذا الخلل بالرشوة المالية، حيث ارتفعت رواتب أفراد الشرطة من 3-5 أضعاف مقارنة بعهد مبارك. هنا كان رد فعل «الأمن» فى الاستماتة فى الدفاع عن مقر «الإخوان» بالمقطم وغيره، تحت دعوى حماية الشرعية!! وبالمقابل لم يجد المرء لهذه الشرعية من دفاع أمام الإرهابيين فى سيناء، لأنهم ببساطة من نفس الفكر، وقد ساوى الرئيس بينهم وبين المخطوفين. وسط كل هذا الخرق، لم يكن عجيبًا أن ينفذ المواطن القانون بنفسه، وببشاعة عبر التمثيل بالجثث، بعد أن انتشرت بشكل غير مسبوق جرائم الاغتصاب والسرقة والبلطجة والمخدرات، لأن الرئيس أفرج عن كل المسجلين الخطرين. لكل ذلك لا نقول فقط إن الرئيس فشل فيما وعد به من تحقيق الأمن بعد 100 يوم، بل أيضًا لم يستطع بعد مرور 365 يومًا.