من المناهج التقليدية فى دراسة السياسة الخارجية للدول غير الديمقراطية، تلك التى تفسر السياسة الخارحية لدولة ما من منطلق الأوضاع الداخلية، تبحث عن تفسير لاتباع نظام ما سياسة خارجية محددة، أو محاولة فهم دوافع قرار ما يجرى اتخاذه عبر دراسة الأوضاع الداخلية لتلك الدولة، فكثير من قرارات السياسة الخارجية لنظم حكم غير ديمقراطية تأتى لحسابات داخلية بحتة، هناك من يقدم تفسيرا لقرارات فجائية أو تنطوى على قدر من المغامرة أو تخرج عن السياق العام المعروف للسياسة الخارجية لبلد ما عبر البحث فى ما يجرى داخل البلد نفسه، هناك نظرية الضغوط الداخلية التى تقول إن نظم الحكم فى دول معينة هى بالقطع غير ديمقراطية، تتجه إلى البحث عن حلول خارجية لأزمات داخلية قد تصل إلى درجة شن الحرب على دول مجاورة، أو تدفع النظام إلى التوسع الخارجى لإيجاد حلول لمشكلات داخلية أو مطالب يعجز النظام عن تلبيتها، ويعد التوسع الأوروبى الاستعمارى فى أواخر القرن التاسع عشر حتى الربع الأول من القرن العشرين نموذجا على دور الضغوط الداخلية وعجز النظام عن تلبية مطالب داخلية، فى البحث عن حلول خارجية. أيضا هناك منهج واضح يدفع بنظم الحكم المأزومة عن تلبية المطالب الداخلية من اقتصادية واجتماعية وأيضا سياسية، إلى البحث عن ذريعة تستخدم للتغطية على المطالب الداخلية، بمعنى أن النظام يوظف قضية «وطنية» أو يثير توترا فى علاقات خارجية، من أجل الدعوة إلى التوحد خلف النظام، لأن البلد فى وضع حرج لا يسعى السجال حول استحقاقات داخلية، فالأولوية هنا لمصالح الوطن فى مواجهة دول أخرى، ويعد هذا الأسلوب الأكثر انتشارا وتوظيفا من جانب نظم حكم غير ديمقراطية تقوم على الحشد والتعبئة على أرضية وطنية لتغطى على المطالب الداخلية، وكان هذا النموذج سائدا فى مصر والعالم والدول المسماة بدول المواجهة فى العالم العربى فى الخمسينيات حتى منتصف السبعينيات، حشدوا الطاقات فى مصر وسوريا والعراق لمواجهة إسرائيل، ومن بعد ١٩٦٧ لإزالة آثار العدوان، وكانت عبارة «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة» دالة تماما على المراد من وراء توظيف قضية الصراع العربى الإسرائيلى فى تجميد أى حديث عن استحقاقات داخلية، بل إن من يتحدث عن استحقاقات داخلية من سياسية واقتصادية كان يتهم بخيانة قضايا الوطن والأمة.
باختصار تفيد مناهج دراسة السياسة الخارجية وتحديدا تلك التى تستخدم فى تفسير بعض قرارات نظم الحكم غير الديمقراطية فى تأكيد أن عجز النظام عن تلبية مطالب داخلية مشروعة وفشل النظام فى تحقيق إنجازات فى الداخل تدفعه إلى الاشتباك فى قضايا خارحية للتغطية على العجز الداخلى وتشويه وربما تخوين كل من لا يساير توجه النظام هذا، وإذا نظرنا إلى ما يجرى فى بلادنا اليوم وموقفنا مما يجرى على الأراضى السورية سوف نجد أن نظام مرسى قد كرر فى الأسابيع الأخيرة أن الحل فى سوريا لا بد أن يتحقق من خلال المفاوضات، ذهب مرسى إلى روسيا، وهناك أعلن تقارب موقفى القاهرة وموسكو تجاه ما يجرى فى سوريا، ومعروف أن روسيا الداعم الأول لنظام بشار الأسد. السؤال هنا لماذا قرر مرسى وجماعته الحشد من أجل القضية السورية بدءا من استدعاء دعاة سعوديين، وصولا إلى قطع العلاقات مع نظام بشار وإعلان الجهاد؟ الأسباب موجودة فى الداخل، فى مصر نظام يخرج على الديمقراطية، غير قادر وغير راغب فى تلبية مطالب المواطنين على كل المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، قرر الاحتشاد على أرضية دينية لكسب تأييد القوى السلفية وامتداداتها الخارجية وتحديدا فى السعودية، والحشد لنصرة الأهل فى سوريا، كل ذلك لمواجهة حالة الفشل والعجز الداخلية، ومواجهة مظاهرات الثلاثين من يونيو التى ترفع شعار رحيل الرئيس وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة. باختصار ما جرى فى استاد القاهرة مساء السبت كان لعبة النظام العاجز عن التوافق داخليا، ومن ثم الباحث عن قضية خارجية للتغطية على ما يجرى فى الداخل، وهى ورقة النظام الأخيرة فى معركته مع قوى الثورة الحقيقية.