ظن أننا مدينون للدكتور محمد مرسى بالمشهد الذى أتحفنا به فى «الصالة المغطاة» باستاد القاهرة، فالرجل أتاح لنا مشاهدة «الحدث» الذى ربما لا يتكرر سوى مرة واحدة فى العمر، إذ جمع فى مكان واحد، مساء أول من أمس «السبت»، نخبة «منتقاة» من تجار الدين والدنيا، وعتاة المجرمين من أرباب السوابق ورد السجون، وحشد من المخدوعين الموهومين ممن لا حول لهم ولا قوة سوى «السمع والطاعة»، ومعهم بالطبع حفنة من الانتهازيين تجار «شنطة السياسة».
ها هو مَن يدّعى أنه «رئيس مصر» يركع علنًا لإسرائيل، ووسط تهليل إخوانه وأتباعه ومؤيديه وزملائه المسجونين السابقين أو الفارين مثله من السجن، ويؤكد لها أنه عدو عدوها الأول فى المنطقة، وهو «حزب الله اللبنانى»، وليثبت لـ«تل أبيب» المثل القائل: عدو عدوى يبقى صديقى، ثم يتبع ركوعه لإسرائيل بسجدة صريحة وطويلة للسيد الأمريكى، الضامن الأوحد لبقاء مرسى وإخوانه على سدة الحكم فى مصر، رغم أنف شعبها الكاره له ولهم، بإعلانه المبتذل عن قطع العلاقات مع سورية، بعد ساعات قليلة من إعلان سيد البيت الأبيض فى واشنطن قراره بتسليح المعارضة السورية، وكأن الشعب السورى الشقيق كُتب عليه أن يُذبح بيد الديكتاتور بشار الأسد، أو يُقتل على يد عصابات التطرف الدينى المدعومة والمسلحة أمريكيًّا، والتى يُعلن من يدعى أنه «رئيس مصر» دعمه المطلق لها، وليس دعم أبناء الشعب الثورى الحر الثائر على حكم الأسد، والذى بح صوت قياداته طوال شهور طويلة مضت، طالبين العون والدعم المصرى، لكن «الودن الإخوانية» من طين والأخرى من عجين، وأصابها «الطرش» حتى جاءها «الإذن» من واشنطن.
الكارثة فى المشهد العبثى الذى رأيناه أن مرسى وإخوانه و«مكتب إرشادهم»، لم يكتفوا بالرضوخ المذل للموقف الأمريكى، طلبًا لدعم ومساندة «سيد البيت الأبيض» ضد هبّة الشعب المصرى المنتظرة ضد حكمه فى «30 يونيو»، بل حرص الرجل بتعليمات من «سيد المقطم» على لعق لحى السلفيين والجهاديين والتكفيريين الكثة، وهو يعلن لهم عداءه السافر لحزب الله اللبنانى، وهى بالطبع رسالة رضوخ واضحة منه لمطالبهم المتواصلة بقطع علاقات «الإخوان» الوطيدة بإيران، الحليفة الأولى لحزب الله، سعيًا للضحك على «ذقون» أدمنت الضحك الإخوانى عليها، كلما احتاجت «الجماعة» إلى حليف أو نصير مؤقت، للوقوف معها ضد العلمانيين والكفرة أعداء «المشروع الإسلامى»، وهى الأكذوبة التى لا يملّون من ترديدها، لكنهم يملّون سريعًا عند المطالبة بتنفيذها وتحويلها إلى حقيقة، عندها يتذرعون بأن المجتمع غير جاهز، أو أن أعداء الإسلام يتصدون لهذا المشروع.
الكارثة الكبرى والمصيبة الأعظم، أن اجتماع «مرسى شو» فى الصالة المغطاة، شهد تداول شيوخ من جوقة المجتمعين ألفاظًا لم يعهدها المصريون من قبل، فبعضهم هتف ضد «الدولة الصفوية» التى هى إيران بالطبع، وطالب بقطع العلاقات معها، وآخر نادى بالتصدى لـ«الرافضة»، فى إشارة إلى الشيعة، ونسى هذا وهؤلاء سريعًا، أو ربما تناسوا تلبية لنداء المصالح، أو مرسى وإخوانه ومكتب إرشاده هم من وطّدوا العلاقات سريعًا مع إيران، وهم أيضًا مَن استعانوا بكوادر «حزب الله» فى الهجوم على السجون المصرية لتهريب القيادات الإخوانية، وعلى رأسهم محمد مرسى نفسه الذى يتنكر اليوم لجميل الحزب اللبنانى، وثيق الصلة بإيران، عليهم.
مرسى وإخوانه يهربون من مواجهة الشعب المصرى إلى مواجهة الشعب السورى، فأنصار بشار الأسد سوريون، ومعارضوه سوريون أيضًا، وإعلان «الجهاد» يجب أن يكون ضد العدو الواضح إسرائيل.
مرسى وإخوانه لا يتورعون على إعلان وإذكاء «الحرب المذهبية» بين السنة والشيعة، والدخول طوعًا فى المخطط الأمريكى-الإسرائيلى فى المنطقة، والذى «وهذا ليس مصادفة» أعلن عنه قبل أيام رئيس هيئة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية «أمان» الجنرال أفيف كوخاف، من أن «الفوضى التى تشهدها المنطقة العربية هى فى مصلحتنا»، موضحًا أن إسرائيل قسّمت المنطقة فى الماضى «إلى محور راديكالى ومحور معتدل.. اختفى اليوم هذان المحوران. يوجد اليوم فى الشرق الأوسط مجمع شيعى ومجمع سنى، وهما يعيدان تحديد الشرق الأوسط... وبوجه عام، تنتقل المنطقة من تعريف قومى إلى دينى، فإلى اعتبارات الحدود والأراضى يجب إضافة اعتبارات دينية».
جماعة «الإخوان» ومندوبها فى قصر الرئاسة، لا تتورّع عن الزج بالبلاد فى أتون حرب مذهبية، قد يمتد لهيبها إلى داخل مصر ذاتها، التى لم تعرف يومًا أى صراع سنى-شيعى، بل قيل عنها إنها «سنية المذهب، شيعية الهوى».
جماعة «الإخوان» على استعداد للعب بنار الطائفية، فى مصر والمنطقة، من أجل البقاء على كرسى الحكم، فهل وصلت الرسالة من احتفال «مرسى شو» فى الصالة المغطاة إلى الشعب المصرى وقواه الثورية؟