البعض يتصور أن مطالبة قطاع واسع من الشعب المصرى بإسقاط رئيس منتخب هى أمر طبيعى وسهل، لن تكون له تبعات ونتائج سلبية كثيرة، وعلامة فشل لكل القوى السياسية والنظام القديم والمجلس العسكرى الذى أدار المرحلة الانتقالية، فالمؤكد أن هذا المطلب الذى تحقق بسهولة فى عهد مبارك نتيجة ظروف خاصة، لا يعنى استحالة تكراره مع الظروف الجديدة، ولكنه سيعنى خصماً من تجربة إعادة بناء هذا البلد المنهار اقتصادياً والمتهالك مهنياً والمأزوم سياسياً.
والمؤكد أن من يطالب بإسقاط الرئيس ليس فقط الشباب الثورى، إنما قطاع واسع من المصريين لم يعد راغباً فى سماع أى شىء عن الرئيس وجماعته، رغم وعيهم التام بصعوبة المهمة وبالثمن الباهظ الذى سيدفعه المجتمع المصرى من جراء فشله فى تخطى أولى درجات سلم التحول الديمقراطى. فالقضية هذه المرة ليست إسقاط رئيس ولكن إسقاط رئيس منتخب اختاره حوالى 13 مليون مصرى، وبالتالى فإن فشل مرسى، على خلاف فشل مبارك، يعنى فشلاً لنا جميعاً وليس فقط لنظامه.
والسؤال: من المسؤول الأول عن هذا الفشل؟ وكيف أوصل مرسى قطاعاً واسعاً من الناس فى عام واحد فقط إلى المطالبة بإسقاطه والبدء فى عملية سياسية جديدة، رغم كل الأخطار والمثالب التى تحيط بهذه العملية؟.
هناك ثلاثة عوامل رئيسية وراء دعاوى الانتخابات الرئاسية المبكرة، أو إطلاق عملية سياسية جديدة: الأول هو الأساس المعوج الذى بنى عليه المسار السياسى، واتضح فيه أن كل طابق سيبنى فوق هذا الأساس سيمتلئ بالتشققات التى لا يصلح فيها ترميم أو تجميل، وستنهار على رؤوسنا فى يوم من الأيام.
الخسارة ستكون أفدح إذا تركنا أنفسنا نبنى طابقين أو ثلاثة أو عشرة لأن المبنى سينهار فى يوم من الأيام، وأفضل لنا أن نعيد بناء أساسه ونحن الآن فى الطابق الأول، بدلاً من المكابرة والاستمرار.
الرئيس والجماعة تناقشوا فى ديكور الطابق الأول، ولا يريدون أن يستوعبوا أن المشكلة فى الأساس الذى يتمثل فى وجود دستور غير توافقى شعر قطاع كبير من المصريين بأنه يقصيهم.
أما المسألة الثانية فهى تتعلق بمشكلة الجماعة التى تحكم وتدير، وترفض أن تكون جزءاً من قانون الدولة، فهى جماعة مختارة لا ينطبق عليها قانون باقى الجمعيات والمؤسسات الأهلية، وتحكم لصالح الجماعة وليس الوطن. لقد تحولت الرابطة التنظيمية والتربية الدينية لدى الجماعة إلى شعور بالتمايز والتفوق على الآخرين، وتحولت الطاقة الدينية التى حافظت على تماسكها حين كانت فى المعارضة إلى طاقة كراهية وتحريض على المنافسين والخصوم، وانغلاق وعزلة عن باقى المجتمع.
أما المسألة الثالثة فهى اتضاح الفارق الهائل بين إدارة جماعة- مثل الإخوان المسلمين- وإدارة الدولة، فالأولى تتطلب السرية والانغلاق والثانية تتطلب الشفافية والوضوح، وهذا ما لم يحدث فظهرت روح الانتقام من الدولة، وتصفية الحسابات مع كل مؤسساتها وليس الإصلاح وإعادة البناء، ورأى المصريون وعود الإخوان التى تراجعوا عنها، وتمسكهم بالحكومة الحالية الفاشلة التى جاءت بالذراع، وفرض الأمر الواقع، دون وجود برلمان يدعمها ويوافق على وجودها.
لقد شعر الناس بأن هناك دولة خاصة بالإخوان غير دولة الشعب المصرى، فأعلنوا رفضهم لها وتلك فى الحقيقة معضلة الوضع الحالى الذى لم يقدر الإخوان على استيعابه.