«لا يا أبو أحمد .. بالله عليك بلاش عبد الله ده الصغير بتاعنا الي هانتعكز عليه، مش هو ده الي ديماً بتقول عليه إنه ده الحنين الي في إخواته والي ها يراعينا في المستقبل !؟!»
كان صوت «أم أحمد» داخل الغرفة مجروحاً وصرختها مكبوتة وكأنما رأت قاتل يقتل قتيلاً وخافت أن ينتبه إليها ليقتلها .. وهي تتوسل إليه بأن لا يرسل «عبد الله» إبن الأصغر لهما مع إخوته إلى سوريا كي يجاهدوا لنصرة الشعب السوري على النظام المجرم الذي يقتل شعبه ليل نهار، حيث أنه فور عاد من مؤتمر «الجهاد في الإستاد» وبعد أن طلب من المصريين أن يجاهدوا لنصرة أشقئهم في سوريا .. تلقى مكالمة هاتفية من نائب المرشد أمره بأن يكون قدوة للمسلمين ويرسل أبنائه إلى سوريا ليلحق بهم كل شباب الأمة، ولم يتوانى لحظة عن تنفيذ هذا الأمر واتصل بأبنائه الثلاثة وأمرهم بأن يكونوا رهن ساعة الصفر التي فيما يبدوا أنها قريبة جداً، فخروا أبنائه له طائعين وكأنما كانوا ينتظرون تلك اللحظة منذ أمدٍ بعيد وانتظر أن يمهد للصغير المفاجأة التي لم يكن يتوقعها من أب لإبنه الصغير.
«ما يبعت ولاده هو»
قالتها وهي ترتعش من هول ردة الفعل التي تتوقعها، حيث بهذه الجملة تعدت كل الخطوط الحمراء التي تعف أنها تضرب الطاعة الواجبة في مقتل .. لكن هذه المرة كان الرد على غير المتوقع ربما تقديراً منه بأنها مهما كانت الطاعة واجبة فهي أيضاً أم ولها كل الحق في الخوف والقلق على أبنائها الذين هم في عمر الزهور.
«يا أم أحمد أنا رئيس الجمهورية .. رئيس كل المصريين وأنا القائد والقدوة الوحيدة لهذا الشعب .. أما هو معني فقط بالجماعة .. وعليكي أن تفرحي بما وصلنا إليه أنا الرئيس وأنت السيدة الأولى .. قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خير مما يجمعون»
«أفرح !! أفرح بإيه !! رجعلهم كل حاجة بس سبلي ولادي»
هنا فُتح الباب بقوة ودخل «عبد الله» ويبدوا أنه كان قد سمع بعض الكلمات المتناثرة ونظر في عين أبيه للحظات فانكسرت.. وكإنما كانت لغة العيون بين الإبن والأب أقوى مما قالته الأم المحسورة على مصير أبنائها، ولم تنكسر عين المسكين صاحب المصير المجهول واحتد نظره على عين أبيه المكسورة وقال له كلمة عبارات رنانة وانصرف.
«أنت مش إبراهيم وأنا مش إسماعيل ومكالمة الهاتف مش رؤية وسيادته مش إله عشان أطيعك.. وأنتوا بتلعبوا بالنار الي هتحرق الأخضر واليابس .. ويوم ٣٠ يونيو مش هيعدي عليك ولا على سيادته بالساهل وهيهرب ويسيبك لوحدك تواجه مصيرك، والي أنتوا بتقولوا عليهم فلول هم ثوار وانتوا عارفين كده كويس لأن انت عارف إن الفلول رايحين جاين على مكتب الإرشاد، وسيادته بيتاجر معاهم وبيقسموا البلد على بعض، والشباب بتوع تمرد انت عارف إنهم شباب ٢٥ يناير الي سبقوا الجميع في الثورة وعارف إن لولا دول ماكنتش بقيت رئيس، بس السلطة عمياك إنك تشوف كويس، أنا لولا متأكد من أخلاقك ومتأكد أكتر إن سيادته هو الي بيدير البلد كنت عملتلك فيش وتشبيه عشان أتأكد إنك أبويا، لأن تصرفاتك قبل إعلان النتيجة وأخلاقك كانت غير كده .. صدقني يا بابا إنت هتتحاكم لوحدك والي مورطينك هينطوا من المركب قبل ماتغرق بيك وبينا.. بس المرة دي ماحدش هيعبرك ولا هيبكي عليك زي المخلوع لأنك بصراحة من يوم ما بقيت رئيس معملتش حاجة ممكن الناس تفتكرك بيها .. أما موضوع سوريا إنت عارف كويس الورقة الي كنت بتقرأ منها مين الي كاتبها».
نزلت العبارات على الأب كالصاعقة وهبط من أعلى على الكرسي الذي كان واقفاً أمامه وأخذ يفكر كيف تجرأ الولد الصغير عليه بعد أن كان يظن أنه أحسن تربيته، ومن أين أتى بهذه الكلمات التي لا يمكن أن تخرج من فم إخواني ولا حتى من يحترمهم.
«الواد ده شيوعي .. الواد ده قابض»
هكذا صرخ الأب بعد أن إنتفض من نومه وهو يردد «أستغفر الله العظيم .. اللهم إني أعوذ بك من الخبث والخبائث» .. وأنتفضت معه من نومي مبتسماً وكأنما رأيت مشهد النهاية أمامي.