أنا شخصيا أتعرض لهذا الموقف المحرج كثيرا، ألتقى مصادفة بشاب يُخرج من كيس بلاستيك كتابا لى ليبلغنى بفرح إنه «لسه مشترى كتابك الجديد» وبينما يعيد الكتاب إلى الكيس يقول بصوت شبه خجول «بس مش غالى شوية الكتاب؟»، أحاول أن لا أتفلسف فى الإجابة وأؤكد له أنه غال بالفعل دون أن أشرح له أن أجعص كاتب فى مصر يحصل على نسبة لا تتجاوز 15% من سعر الغلاف، وأن ارتفاع الأسعار مسؤولية الناشر ومن يليه فى عملية البيع من موزعين وباعة ومكتبات يبالغ بعضها فى توسيع هامش الربح، فهناك مكتبات تحصل على الكتاب من الناشر بـ70% من سعره لتحقق مكسبا 30%، لكن هناك مكتبات تتجاوز النسبة المقررة وتبيع الكتاب بسعر أعلى الأمر الذى يبرر لماذا تشترى الكتاب نفسه بأسعار مختلفة من مكتبات مختلفة.
يصبح الأمر أكثر إحراجا عندما يستوقفك شاب ويخرج من الكيس طبعة مزورة، أسأله فى هذه الحالة عن أمر واحد فقط إن كان يعلم أنها مزورة أم لا حتى لا يكون ضحية نصب، وفى الغالب يكون القارئ على علم بالأمر ويفسره بأن المزورة أرخص، ربما يتوجب على الكاتب أن يقوم فى مثل هذه الحالة بشرح الآثار السيئة المترتبة على دعم القرصنة، لكننى فى كل مرة أرى التنظير كله لا قيمة له أمام شخص اقتطع الحد الأقصى الذى يمكن اقتطاعه من مصروفاته الأساسية ليقرأ، لا معنى للنظريات أمام فرحته بقدرته على أن يوفر عشرة جنيهات لا بد أنها فارقة معه.
هل تكتب لتربح أموالا أم ليصل إلى الناس ما تكتبه؟، معظم الكتّاب يعرفون جيدا أن تقدير الناس لما تقوله هو المكسب الحقيقى، وأن المكاسب المادية من تأليف الكتب ينطبق عليها نظرية «زيادة الخير خيرين»، فى إحدى السنوات كان محمد منير بصدد إصدار ألبومه الجديد، كان مفترضا أن يطرح فى الأسواق يوم الخميس، قبلها بيومين كان الألبوم مسرَّبا على كل مواقع الإنترنت، أسرعت بمهاتفة الخال لأخبره بالكارثة، قلت له «ألبومك موجود على النت فى كل حِتّة من الصبح يا خال»، قال منير بهدوء «طب وعجب الناس؟».
لم يهتم منير بالمبيعات والمكاسب وكون الألبوم «اتحرق على النت» قبل صدوره، كل ما اهتم بأن يسأل عنه هو إذا كانت الرسالة قد وصلت إلى الناس أم لا. هكذا يرى الكثيرون من أصدقائى الكتّاب الأمر، لذلك بقى على الناشرين أن يعيدوا ترتيب أوضاعهم فى ظل هذه القناعة، أعرف أن دعم الكتّاب ربما يكون دور الدولة، لكن الدولة بعافية، وإلى أن تسترد الدولة عافيتها أكرر الدعوة لدعم فكرة الطبعة الشعبية.