قد لا أكون من 30 بالهارب إلى الولايات المتحدة العقيد عمرو عفيفى، لكنه ظاهرة تستحق المتابعة، فالمعلومات التى يذيعها تكون أحيانا صحيحة بدرجة كبيرة، وبعضها أقرب إلى المعلومات المخابراتية، كالتفاصيل التى رواها عن عملية اغتيال ضابط أمن الدولة فى سيناء، سواء عن الضابط الواشى الذى أرشد القتلة أو أسماء القتلة، وكيفية تنفيذ العملية.
وقد أفاض كالعادة عن الأحداث التى يمكن أن تقع فى ٣٠ يونيو المقبل، وتحدث عن عنف مؤكد.. على أساس أن الجماعة لن تقبل النزول عن السلطة إلا بالدم!
وقد أتفق معه فى الرؤية، لأن الوطن لم يعد له أولوية، ولم يكن، عند التيارات الدينية، فالأولوية لمشروع ينسبونه إلى الإسلام قسرا، ليركبوا السلطة على جناح من تأييد السماء.
وقد أتفق مع عمرو عفيفى فى رؤيته هذه، فالعنف كان دوما لصيقا بالجماعات الدينية، عبر التاريخ الإنسانى كله، وقد عانى المسلمون كثيرا من الخوارج والقرامطة والحشاشين.. إلخ.
لكننا لو تركنا تفاصيل عمرو عفيفى عن اغتيال ضابط أمن الدولة، وتساءلنا: هل توقيت عملية الاغتيال فى نهاية الأسبوع الأول من يونيو الجارى له علاقة بـ٣٠ يونيو أم مجرد مصادفة؟!
بمعنى أن الاغتيال كان رسالة من التيارات الدينية الجهادية إلى المجتمع.. ولا تختلف عن التهديدات التى يطلقها آخرون، لمن يحاولون الاقتراب من قصر الاتحادية فى اليوم الموعود، والتى وصلت إلى حد «فصل رأسه عن جسده»، وقد نأخذ هذه التهديدات على سبيل «أدوات الردع والتخويف» التى تجعل المصريين يفكرون ألف مرة قبل النزول إلى الشوارع والميادين فى ٣٠ يونيو!
وبالطبع من حق العشيرة والأهل أن ينظموا مظاهرات تأييد للرئيس محمد مرسى، فهذا حق مشروع لا يقل عن حق معارضته والمطالبة السلمية بنزوله عن السلطة وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، والانتخابات المبكرة تعرفها كل الديمقراطيات، حين تشتد الأزمات السياسية وتصل إلى طريق مسدود، فيرجع الجميع إلى الشعب مرة أخرى لحسم تلك الخلافات، مع إن الشعب هو الذى انتخب هؤلاء من قبل، لكن الواقع أحيانا باضطراباته وأزماته يفرض حلولا عاجلة غير قابلة للانتظار، وقد حدث هذا فى إيطاليا وإسبانيا وفرنسا وإسرائيل، فالانتخابات المبكرة ليست بدعة ولا اختراعا جديدا.
لكن رد فعل الأحزاب والتيارات الدينية يتجاوز أى محاولات فهم لأسباب تمرد المصريين على حكم الإخوان ويقفز إلى نظرية المؤامرة، مؤامرة من النظام السابق، وهو شىء مضحك للغاية، فكيف للشباب الذى ثار على مبارك وأسقطه أن يعمل الآن على إعادته إلى السلطة؟.. تفاهة وهراء وقلة حيلة، خصوصا أن النظام نفسه من آليات وأساليب حكم وطرق إدارية لم يتغير على الإطلاق، فالجماعة والرئيس مرسى أفرطوا فى التمسك بالنظام القديم، وطبقوا جوهر تكتيكاته وجعلوها أكثر طوعا فى أيديهم، لتميكنهم من السيطرة والاستحواذ التام على «ولاية مصر»، وتغيير معالمها الثقافية والفكرية والحضارية لتناسب طبيعة الحكم الجديد!
والمدهش أن يقال إن الأحزاب الإسلامية حصلت على العديد من المعلومات عن أحداث عنف تجهز من قِبل النظام السابق، حيث إن هناك عدة اجتماعات عقدت فى عدة محافظات للبدء بأحداث عنف من 14 يونيو لتحضير المناخ لأحداث الفوضى، منها اجتماع عُقد فى مكتب بوسط القاهرة للتحضير للعنف بقطع الطرق وخطوط المترو ومهاجمة المقرات الرئاسية والحكومية مثل قصر الاتحادية ومجلس الشورى ومبنى رئاسة الوزراء ومقر وزارة الداخلية، وأن أموالا طائلة من دول الخليج تُحول إلى مصر، بعضها عبر حقائب دبلوماسية، كما أن هناك معلومات عن سرقة أسلحة ميرى لاستخدامها فى أحداث العنف لإلصاق التهمة بالشرطة (سمك لبن تمر هندى).
يعنى أن هذه الأحزاب تملك معلومات عن مؤامرة متكاملة الأركان وريما بأرقام الأموال المحولة إلى المتآمرين دون أن تكتب بلاغا بها إلى النائب العام.. وبدلا من ذلك تذيع التفاصيل على الرأى العام، والرأى العام لا يملك حيالها شيئا، إلا إذا كان المقصود هو تهيئة مناخ لتبرير «العنف» القادم ضد هؤلاء المتآمرين المناهضين للرئيس مرسى.
وهو ما يوضحه عضو شورى الجماعة الإسلامية عاصم عبد الماجد: نقول لمن يريد خلع الرئيس، لن تستطيعوا أن تفعلوا، لأننا سوف ننزل إلى الشارع أيام ٢٦ و٢٧ و٢٨ يونيو الحالى لمنعكم، مؤكدا أن هذا المنع سيكون بشكل سلمى، ولم يقل لنا الأخ عاصم كيف يكون المنع سلميا: هل بالهتاف والغناء والدعاء، وكلمة المنع نفسها فيها كثير من العنف!
باختصار تستميت الجماعة وتياراتها المؤيدة فى التهديد والوعيد، لكن الشباب يقابله كأنه «دخان فى الهواء»، ولهم فى بروفة وزارة الثقافة وأحداث الرمل فى الإسكندرية واشتباكات دمنهور مثالا جيدا لاتباعه، فهل تفهم الجماعة؟!