حجم العصبية والارتباك والرعب الذى يشعر به قادة الإخوان وأنصارهم من الجماعة الإسلامية بدا وظهر للجميع مع بدء العد التنازلى ليوم 30 يونيو، والانتصار المتوقع للحركة الشعبية الواسعة الداعية لانتخابات رئاسية مبكرة بعد عام من الفشل الذريع للمرشد العام محمد بديع، ومندوبه فى قصر الرئاسة محمد مرسى، فى إدارة شؤون البلاد، والبرود البالغ، والابتسامة الصفراء الزائفة السمجة التى يرسمها قادة الإخوان على وجوههم للإيحاء بالثقة فى النفس، وبأن ما يواجهونه من غضب شعبى عارم هو مجرد زوبعة فى فنجان، لن يخدعا أحد فى ضوء المؤشرات العديدة التى تؤكد أن أيام الإخوان فى حكم مصر باتت معدودة.
ولعل أهم هذه المؤشرات الإقبال منقطع النظير من قبل المصريين على توقيع استمارة «تمرد» التى أطلقها مجموعة من خيرة شباب مصر المتمسك بأهداف ثورة 25 يناير، والتى ضحى المئات من رفاقهم بأرواحهم الغالية من أجلها. أرواح هؤلاء الشهداء لم يتم القصاص لها حتى الآن بعد عامين ونصف العام تقريبا، وما زالت رقبة مرسى مثقلة بدمائهم، بعد أن تعهد ونكث وعده بملاحقة قتلتهم. بل زاد الحمل على رقبته ثقلا بدماء غالية لشباب آخرين قتلوا فى عهده، وأمام باب قصر الاتحادية، حيث مقر عمله، بمباركة منه ومن جماعته التى منحت نفسها صفة الربانية دفاعا عن بقائهم فى الحكم، هذا عدا العشرات من النشطاء الذين يجرى اعتقالهم وتعذيبهم فى السجون، التى يتمنى الإخوان وحليفهم عاصم عبد الماجد أن تمتلئ بخصومهم.
شباب حركة تمرد يقول إنهم اقتربوا جدا من الهدف الذى حددوه لأنفسهم، وهو جمع 15 مليون توقيع لمصريات ومصريين يطالبون بإنهاء حكم الإخوان، حيث إن هذا الرقم يزيد عن عدد الأصوات التى حصل عليها مندوب مكتب الإرشاد فى الرئاسة بنحو 2 مليون صوت. ورغم اعتراض كثيرين على تحديد رقم 15 مليونا، والقول إن مرسى كمرشح احتياطى لمكتب إرشاد الإخوان لم يحز سوى على ٥ ملايين صوت فقط فى الجولة الأولى من الانتخابات، التى تعتبر المقياس الحقيقى لقوة جماعته، وأن من منحوه أصواتهم من المصريين فى الجولة الثانية كانوا من مؤيدى الثورة ممن صدقوا مزاعمه بأنه متمسك بتحقيق أهدافها، رغم كل ذلك، فلا بأس من جمع 15 مليون توقيع، أو أكثر، لكى تكون الرسالة واضحة دون لبس أن المصريين لا يقبلوا أن يخدعهم أحد، حتى لو كان ذلك باسم الدين الذين يسعون لاحتكاره لكى تروج تجارتهم.
ملايين المصريين ممن يقومون بالتوقيع على استمارة «تمرد» ليسوا مسيسين ولا ينتمون إلى أى من الأحزاب الجديدة المعارضة للإخوان، التى ظهرت فقط بعد ثورة 25 يناير. بل ويقولون علنا وعلى وجههم ابتسامة خجل صغيرة: احنا من حزب الكنبة. ولكنهم خبروا بأنفسهم فشل الرئيس ولجوءه إلى حجج كل الأنظمة الديكتاتورية لتبرير تراجعه عن وعود المئة يوم الشهيرة، كالقول إن حجم الفساد كان كبيرا، والمشكلات صعبة، وكأن الإخوان كانوا يعيشون فى الكهوف فى أثناء ثلاثة عقود من حكم المخلوع.
هؤلاء المواطنات والمواطنون هم من يعانون يوميا من مصاعب الحياة وعلى رأسها البطالة، والارتفاع المتواصل فى أسعار السلع الأساسية، وانقطاع الكهرباء، ونقص الأدوية وسوء حالة المواصلات، واختفاء السولار والبنزين. هؤلاء لم تعد تخدعهم نهضة الفنكوش ولا كلمات الرئيس الجوفاء الخالية من المضمون.
أما المؤشر الثانى، فهو التضامن منقطع النظير الذى يلقاه مثقفو مصر وأدباؤها وفنانوها فى مواجهة الهجمة الشرسة التى يشنها ضدهم وزير يبدو عليه بوضوح أنه موتور يكره الثقافة من الأساس، وجاء للانتقام من قامات كبيرة صنعت لمصر سمعتها وقوتها التى فاقت بكثير قدراتها الاقتصادية المحدودة. وعلى مدى أسبوع كامل يتدفق المصريون كل مساء على مقر المكتب المخصص لوزير الثقافة بحى الزمالك، ليرقصوا ويغنوا ويقرؤوا الشعر لتأكيد هويتهم المتسامحة والمنفتحة التى تعشق الفن وتقدره كتعبير سامى عن رقى البشر. ومن المؤكد أن الغناء والأدب والشعر والتمثيل والباليه والرقص والرسم والنحت وكل الفنون الأخرى يعبرون أكثر بكثير عن المصريين على مدى تاريخهم الطويل الممتد آلاف السنين، مقارنة بمن يريدون أن تكون ثقافة مصر مظلمة قائمة على قهر المرأة واعتبارها سلعة جنسية وفقط، واستحلال دماء البشر والقتل باسم الدين واعتبار ذلك جهادا.
ولكن مدينة الإسكندرية الباسلة أبت وإلا أن ترسل إلينا أقوى المؤشرات على قرب سقوط الإخوان ومصيرهم المتوقع فى الأيام القادمة. فأعضاء شباب «تمرد» أرادوا فقط ممارسة أسلوبهم السلمى فى عرض مبرراتهم للتوقيع على استمارة المطالبة بانتخابات رئاسية جديدة باستعراض فيلم وثائقى قصير فى إطار الحملة المبدعة التى تحمل عنوان «إخوان كاذبون»، ويبدو أن هذا اللقب المستحق هو أكثر ما يثير حفيظة الإخوان، لأنه يكشف حقيقتهم، إلى جانب وصفهم بالخرفان، وهو ما يصيبهم باللوثة تقريبا وكأنه يمس جرحا على رؤوسهم. وما إن بدأ عرض الفيلم وازداد تعاطف الإسكندرانية معه حتى لجأ أنصار الإخوان إلى الأسلوب الأكثر قربا إلى قلبهم: استخدام العنف والضرب والتكسير لإنهاء هذه المظاهرة الشعبية السلمية.
وكما انتهى الأمر أمام وزارة الثقافة قبل أيام باضطرار سبع برمبة الإخوان المدعو المغير للفرار فى مواجهة المدافعين عن اعتصام المثقفين، والاختباء فى مدرعة شرطة بصحبة محام مجهول الهوية منعدم الضمير، فلقد انتهى الأمر بعصابة الإخوان بالإسكندرية بالفرار والاختباء فى أحد المساجد، بعد أن هب أهالى المنطقة التى كان يجرى فيها عرض الفيلم لملاحقتهم، احتجاجا على أسلوبهم الهمجى فى قمع معارضيهم من شباب حركة «تمرد» الذين لم يتجاوز أعدادهم العشرة أشخاص. النصر آت لا محاله. تمرد.