مناضلان ثوريان، لقاؤهما أو العمل معهما كافٍ ليبث فى قلبك وعقلك إيمانًا وثقة بأن التغيير الحقيقى قادم لا محالة. إنه إيمانهما بالناس والحق. رحلا عنا قبل الثورة، وتركت روحيهما الثوريّتين طاقة متجددة فى روح تلاميذهما. تذكرتهما مع الثورة، ومشهد تدفق الناس على الميادين متحدية خوفها. من بين كثيرين قابلناهم وفقدناهم، تمنيت أن يكونا بيننا ويشهدا ثورة الشعب. وكنت على ثقة أنهما بيننا، بعشرات بل مئات من تلاميذهما ومَن تأثّر بهما بين صفوف الثوار.
بدأ أحمد عبد الله حياته النضالية بالتحاقه بتظاهرات الحركة الطلابية 1968، وقائدًا لانتفاضة الشباب 1972. وهكذا قضى عمره فى مسيرة نضال وثورة لا تهدأ، مثالًا للمناضل والمثقف العضوى، نهل من العلم والمعرفة وعاد لناسه ليأخذ بيدهم، عاد للحى الذى تربّى فيه «عين الصيرة» يعمل مع الفقراء والبسطاء. أسس مركز الجيل، ليكون طاقة الأمل لأبناء الحى من الأطفال العاملين، يقصدونه ليمرحوا ويتعلّموا، وينسوا همومهم. كان مركزه مدرسة للشباب الباحث عن طريقه لتحقيق العدل، ووجدوا ضالتهم لدى أحمد. كان الرجل مدرسة فى العمل مع الناس، بحماسه وصدقه، بشخصيته الكاريزمية الملهمة.
كان جدلى الدائم مع دكتور أحمد حول منهج العمل مع الناس. هل نحتاج إلى عمل توعوى إصلاحى، يساعد الناس على إدراك حقوقهم والعمل عليها، أم عملنا معهم هو من أجل الثورة، نبصرهم ونحثّهم ليثوروا على أوضاع وآليات الظلم؟ كان الراحل مؤمنًا أن كل المناهج مهمة فى عملنا مع الناس. كتائب عمل وسط القرى والأحياء توعى وتثقّف، تحمّس وتحفّز، تشكل أجيالًا من الثائرين والثائرات.
كان قائدًا ومعلمًا، فتح قلبه وعقله لشباب انطلق فى المجتمع، وعندما جاء أوان الثورة التقى الجميع فى الميدان.
الدكتور محمد السيد سعيد المفكر والمناضل والمحلل السياسى، شارك فى مظاهرات 1968، حارب وانتصر فى 1973، وقضى حياته مناضلًا من أجل الحق والكرامة.
كان الراحل من مؤسسى حركة حقوق الإنسان فى مصر، ومن أهم ناشطيها ومفكريها. همّه أن يحصل كل مواطن على حقوقه ويحمى كرامته، وأن تصبح حقوق الإنسان واقعًا نعيشه، وثقافة مجتمع، وليس مجرد نصوص جامدة.
دعّم دكتور محمد كل الجهود التى تقوم بها الحركة الناشئة، وتبنى العديد من الباحثين والناشطين من أجل نشر الوعى الحقوقى، والدفاع عن حقوق الناس. وأزعم أن أهم أبناء الجيل الثانى لحركة حقوق الإنسان قد تتلمذوا على يديه، ومثّلت أبحاثه مرجعًا أساسيًّا لكل مَن يريد أن يعلم عن حقوق الإنسان.
كان من أهم المحللين السياسيين، كتاباته وتحليلاته كانت مرجعًا فى التحليل السياسى، ومرشدًا للعديد من المهتمين والمتابعين. السياسى الحر، كان الأوحد الذى تجرّأ واستنكر عبث مبارك بالدستور، وأعلن ذلك أمام مبارك فى معرض الكتاب 2005!
عندما جاء خبر نقله إلى مكتب الأهرام فى واشنطن، سأله الجميع باستغراب «هتسيب البلد!» كان رده «لن استطيع». كان دكتور محمد من الناس الذين يشعرونك أننا فى مهمة، ولا يجب أن يؤخرنا شىء عن مهمتنا، ولا أن نبعد أو نضيع لحظة بعيدًا عن الميدان. ذهب لأشهر معدودة وعاد مسرعًا، ليكثّف العمل من أجل إتمام المهمة. أسس جريدة البديل، فرسالته الحقيقية هى تقديم بديل للناس والوطن، بديل يؤسس للحق والكرامة.
عبّرت الجريدة عن محمد السيد سعيد اليسارى الثائر من أجل حقوق الفقراء والعمال والمهمشين، الليبرالى المدافع عن الرأى والحريات والحقوق، الباحث والمحلل السياسى المحنك.
ترى لو كان بيننا دكتور أحمد عبد الله اليوم، هل كانت الثورة ستظل متخبّطة بلا قائد؟ هل كان ليترك الشباب ليلهثوا وراء زعامات ورقية؟
لو كان بيننا لكان قائدًا قويًّا حرًّا، لا يساوم ولا يتراجع عن مطالب الشعب. لو كان بيننا لقاد الملايين من الفقراء، لوجدته يعمل مع الشباب وسط الناس فى الأحياء والعشوائيات والقرى، يبصّر الناس بثورتهم وحقوقهم، زعيم ملهم ومعلم.
كان دكتور محمد السيد سعيد، ليوفر علينا الكثير برؤيته وبتحليلاته السياسية الثاقبة. كان ليرشدنا ويوجهنا بمواقفه الواضحة، ورأيه الحر الجرىء، المبنى على العلم والإيمان بالوطن. لم يكن ليتهاون مع أى تخاذل أو تضليل يقوم به أى مثقف أو كاتب أو سياسى.
لا أعتقد أن أيًّا من الرجلين كان ليهادن ضد الثورة ومبادئها مهما كان الثمن والمغريات. لو كانا بيننا لاختلف الحال كثيرًا.
أتذكرهما اليوم ونحن على أبواب ثورتنا الثانية، وأسأل نفسى: هل يظهر فى الصفوف مَن يعوضهما؟
أتحسّر اليوم عليهما أكثر من حزنى يوم فقدهما.. وأتساءل: أتجود مصر بأمثالهما.. أم أن زمن الفرسان قد ولى؟