لكن مشاكل الأقباط لا تقتصر على بناء دور العبادة واحترام قداستها، وإنما فى مساحة الدور المتاح لهم للمساهمة فى الوظائف العامة وإدارة شؤون دولة هم شركاء فيها. والجرح قديم، لكن الأخونة تفرض المزيد من الاستبعاد، ولم تزل وظائف محددة ممنوعة تماماً عليهم، وكليات محددة الدخول إليها، لا يكون إلا عبر ثقب إبرة. ونراجع ما كان فى الماضى لنرى كيف أننا نتراجع إلى حالة من التأسلم، فنبتعد عن صحيح الموقف الإسلامى.. ونقرأ:
■ كان الأقباط هم عماد الزراعة وظلوا كذلك حتى وفدت إلى مصر قبيلة قيس [109هـ] وكانوا عماد الصناعة وخاصة صناعة النسجيات بمختلف أنواعها، إلى درجة أن بعض الأقمشة الصوفية كانت تسمى «قباطى». وكان الأقباط هم من ينسجون ثياب الخلفاء، وكثيراً ما اشتغلوا فى صناعة كسوة الكعبة [د. هويدا عبد العظيم رمضان – المجتمع فى مصر الإسلامية. صـ171].
■ وفى ولاية عبد الواحد بن يحيى الوزير على مصر [236هـ] كان هناك أرخانان [أى كبيران من القبط] أحدهما مقاره بن يوسف وكان كاتب صاحب الديوان وله موضع شديد الاحترام عند جميع من يتولى فسطاط مصر، والآخر إبراهيم بن ساويرس، وكان متولى بيت المال وعليه استخراج الأموال وحملها إلى خزائن الملك.
■ ويشير المقدسى [القرن الرابع الهجرى] إلى أن الكتاب فى مصر وبلاد الشام كانوا من المسيحيين.
ويقول ثرتون «جاء إلى المأمون مسيحى مصرى من الأثرياء من بورة اسمه (بكام) طالباً أن يوليه رياسة بلدته فقال له المأمون: أسلم تكن مولاى، فأجابه: لأمير المؤمنين عشرة آلاف مولى مسلم فلم لا يكون له مولى من النصارى؟ فارتدع المأمون وولاه (بورة) وكل إقليمها. ويقول ساويرس «كان لأحمد بن طولون كاتبان من النصارى ولوزيره كاتب قبطى» ويذكر البلوى أن الذى بنى جامع بن طولون نصرانى حاذق بالهندسة.
■ ويذكر ساويرس كان لكافور الإخشيد وزير قبطى هو أبو اليمن قزمان بن مينا وكان ناظراً على مصر كلها واستمر بعد دخول جوهر الصقلى لاشتهاره بالأمانة والثقة، وأشرف على المالية فى الزمن الإخشيدى ابن عيسى النصرانى وكان يسمى «الكاتب المفخم، وبديوانه أربعة وأربعون كاتباً، وكان لديه أربعة آلاف عبد، وكثير من الدور والقرى والبساتين، وشيد كنيسة أم الإله فى الرها» [صـ237].
■ وكان النصارى هم بناة الأساطيل العربية وبحارتها، وعندما قرر عبد الملك بن مروان بناء ترسانة لبناء السفن فى تونس طلب إلى والى مصر إيفاد ألف قبطى بأسرهم لبنائها.
■ واستقر تقليد تحاكم الأقباط إلى محاكمهم الكنسية، فإذا تنازع قبطى ومسلم فإلى مجلس قضائى من الجانبين.
وفى عام 1638 نادى المحتسب بأن النصارى ما يدخلوا الحمام إلا بجلجل أى جرس فى رقبتهم، فتأذى الأقباط وسكت المسلمون، فامتد غباء المحتسب ونادى للمسلمين لا أحد يمشى حافياً ولا يدخل الحمام إلا بقبقاب، ومع رفع الأذان تخلو الشوارع وتغلق المحال، ومن يضبط فى الشارع يجرس ويضرب. فوقفوا معاً فى وجهه حتى تراجع ( أحمد بن عبد الغنى - أوضح الإشارات فيمن تولى مصر القاهرة من الوزراء والباشوات ـ ص 378). إنه ذات الدرس يبدأ الغباء والتطرف المتأسلم ضد الأقباط ثم يمتد لكل المصريين.. فلنتلقن الدرس.