المعركة الوشيكة 30 يونيو شاهدنا لها بروفة أول من أمس، عندما ذهب أحد رجال الشاطر لفض الاعتصام أمام وزارة الثقافة، وكان نصيبه علقة ساخنة من ناشطة سياسية، ولم تنقذه من يديها سوى مدرعة الشرطة، الاعتداء سيواجه باعتداء مماثل، من حق الجميع التظاهر السلمى سواء كنت رافضًا لمرسى أو مؤيدًا له، ولكن ليس من حق أحد أن يتصوّر أنه من الممكن أن يلوّن مصر كما يحلو له.
القضية ليست وزير ثقافة يريدون التخلص منه، ولكنها بروفة لما هو قادم، «تمرد» وصلت إلى رقم 15 مليونًا وهى قابلة للزيادة يوميًّا، ما تعتقده السلطة وراسخ فى يقينها أن الإعلام هو المحرك لكل ذلك وأن قنواتهم الهزيلة غير قادرة على التصدى لهذا الزحف الإعلامى، ولا بديل سوى الإغلاق، هل الإعلام المصرى الخاص عميل؟ إذا كان كذلك علينا فى هذه الحالة أن نتبرّأ من ثورة 25 يناير التى أتت فى نهاية الأمر بالإخوان على سدة الحكم، ألم تكن الفضائيات مع اختلاف الدرجة وباستثناء تليفزيون الدولة تؤازرها، الخطة التى وضعها مكتب الإرشاد ليست فقط مواجهة أمام قصر الاتحادية وفى ميدان التحرير وغيرها، ولكن الإخوان يحددون الاستراتيجية التى تتمحور فى هدف رئيسى وهو أن الإعلام لديه مصالح مباشرة فى إسقاط النظام القائم، هم لا يملكون أدلة دامغة على إدانته، لو كانت لديهم فهم لديهم أجهزة رقابية ومخابراتية، لماذا لم يتمكّنوا من القبض على هؤلاء الجناة فى لحظة ارتكابهم الجريمة التى تصل إلى حدود الخيانة العظمى؟ فمن يبيع بلده مقابل أموال الدنيا ينبغى فضحه وإدانته.
كيف تستقيم معادلة الاتهامات التى تضع قنوات مثل «أوربت» و«إم بى سى» و«سى بى سى» و«دريم» و«التحرير» و«النهار» و«القاهرة والناس» وغيرها فى سلة واحدة؟الدولة فى لحظة جنون السلطة، وفى هذه الحالة ترى الجميع أعداء وأصحاب أجندات خارجية، إذا كانت الفضائيات ممولة لإثارة الشغب، فهل أصحاب المعاشات الذين اعتصموا قبل أيام فى وسط المدينة أيضًا ممولون من الخارج، وعدهم مرسى بـ10% زيادة وهم يطالبون بـ50%؟ هذه هى أجندتهم.
النظام يتحسّب لليوم الموعود، إنه يوم القيامة، ولا بديل عن مجموعة استحقاقات لن يتنازل عنها المصريون، بينما أسلحة النظام للمواجهة لا تتجاوز محاصرة الإعلام. الحد الأدنى هو انتخابات رئاسية مبكرة، رغم أن سقف المطالب أصبح الآن تنحى مرسى وأن يتولى الرئاسة رئيس المحكمة الدستورية وبعدها مجلس رئاسى مؤقت لإدارة شؤون البلاد، وبالطبع حكومة إنقاذ وطنى ستصبح هى البديل لتيسير حياة الناس.
ألم يدرك مرسى الخطورة؟ أتصور أنه يواجهها بالإنكار، هل كان مبارك قبل الإطاحة به يتصور أنه سيضطر إلى أن يعلن تخلّيه عن الحكم؟ بالتأكيد لم يأت إليه هذا الكابوس ولا لحظة، إنه الإنكار وهو أحد أعراض جنون السلطة.
نعم، نعرف أن بين مَن يريدون إسقاط مرسى مَن هم ضد ثورة يناير، ولكن هؤلاء لا يتجاوزون نسبة ضئيلة، التيار الذى أسقط مبارك هو الذى يشكّل الأغلبية وهو القادر على إسقاط مرسى والحفاظ على نقاء الثورة، مرسى كما جاءت به الديمقراطية ستسقطه الديمقراطية. هل مؤيدو مرسى يستطيعون أن يضمنوا له البقاء على سدة الحكم؟ أصبحوا قلة بعد أن شعر الناس بأن كل وعودهم زائفة، ويبقى الإعلام الذى سينقل الحقيقة، ماذا لو نجحت الخطة وحاصروا كل القنوات، هل تتغيّر البوصلة ويتجه الناس إلى مرسى وأهله وعشيرته، منع مقدمى البرامج من الوصول إلى مدينة الإنتاج أشبه بلعب العيال، حتى لو أغلقوا مدينة الإنتاج من كل المنافذ، ستجد أن قنوات البث خرجت بعيدًا عن أسوار المدينة، كان عبد الناصر فى أثناء العدوان الثلاثى فى 56 -قبل إنشاء التليفزيون بأربع سنوات- يدرك أن الإذاعة هدف استراتيجى للقصف الجوى لإخراس صوت مصر، فأعد موجة إذاعية أخرى تابعة للمخابرات تنطلق فى حالة ضرب الإذاعة المصرية، وصارت بعد ذلك هى إذاعة «أم كلثوم» التى كان المصريون يتابعونها بشغف قبل عشر سنوات، نعم المعركة صارت بين شعب يريد حريته ونظام لا يتورّع عن استخدام كل الأسلحة للحفاظ على الكرسى، إنه «جنون السلطة»!!