قطر تتدلل على المرسى.
أرسل وزير البترول أكثر من ٣ مرات لاستعجال شحنات الغاز. وأخيرا سافر عصام الحداد برسالة خاصة للأمير، وعاد بعدها بشحنات هدية جعلت الخيال الصحفى فى جريدة «الأخبار» يصل إلى كتابة عنوان مثل «ماما قطر توفر الغاز لمصر».
ماما؟
قطر أصبحت الماما؟
هل المانشيت سخرية أم واقعية؟
الصحيفة سحبت الطبعة الأولى من الأسواق وغيرت المانشيت، لكن بقيت المفارقة أن هناك فى مصر خيالا يرى قطر هى راعية المرسى وجمهوريته الإخوانية.
وبعيدا عن خرافات يناقش بها وضع قطر الآن بداية من مقارنة حجمها أو عدد سكانها أو تاريخها ٧٠ سنة أو كونها أحد دكاكين الخليج.
كل هذه خرافات فى عالم سياسة متحرك لا يمكن التعامل معه بمنطق «الماضى الجميل» أو «المكانة القديمة» أو تترتب فيه العلاقات وفق أوضاع «تاريخية».
قطر حالة لا بد أن تدرس فى السياسة المعاصرة، لأنها تمثل كتلة سهل تكوينها «لأنها بلا تاريخ ولا موقع إقليمى ولا سياسى» سهلة التشكيل، خفيفة، يمكنها أن تكون مجمع التناقضات فى عالم مشحون دائما بالصراعات.. قطر هى خزان كل الكوارث فى الإقليم تقريبا «علاقتها بإسرائيل جيدة لكنها تدعم حماس.. تجذب مشايخ التعصب السنى.. لكن خطوطها مفتوحة مع إيران.. قومية وإسلامية وأمريكية الهوى.. رجعية وحداثية وعلى كل لون يمكنه أن يكون مؤثرا فى منطقة ما بهذا الإقليم.. والأقاليم المجاورة (إفريقيا مثلا)».
وهذا بلد اكتسب مساحته فى اللعب من قراره الأول أن يكون ملعبا للجميع «هى مقر مؤتمرات متناقضة..»، لكى يصبح لها وجود فى كل المتناقضات دون أن تشعر بتشوش فى الهويات «لأنها تقوم على الاستفادة من حرب الهويات» أو يكون لها موقف «وجودها مبنى على التسلل بين المواقف».
هنا بدت قطر فى البداية «حاضنة» المرسى فى لحظة تتخلى فيها الحضانات القديمة «الإمارات والسعودية» خوفا من التغلغل الإخوانى.
لكنها فى نفس الوقت استغلت أزمة المرسى لتبنى منصاتها فى مصر، لتستمر حتى بعد أن يرحل المرسى مكللا بفشله.
وهناك حالة نموذجية للعبة القطرية، الملياردير القطرى الذى يلعب أحمد أبو هشيمة بأمواله فى القاهرة «وكيل أو جسر أو واجهة..».
الملياردير تسرب إلى سوق الحديد، بعد خطوط اتصال قوية مع الرجل المقيم فى ظلمات الكهف، خيرت الشاطر الذى أراد الاستفادة من أبو هشيمة وراعيه فى اللعب «للسيطرة على السوق خصوصا سوق الإعلام».
وبعد محاولات متعددة وصل الفريق القطرى إلى قناة «المحور» والصفقة أسفرت عن انتقال الإدارة إلى الملياردير القطرى عبر أبو هشيمة.
الصفقة مرت بمباركة الشاطر «الباحث عن منصة إعلامية بعد فشل منصات الإخوان كلها».. لكن الواقع يقول إنه أصبح لقطر منصة إعلامية «استمر الإخوان أو رحلوا..». وهذه هى اللعبة أن قطر تزرع وجودها فى لحظات الأزمات لكى ينمو وجودها والحاجة إليها فى ما بعد لتؤدى أدوارا «مع الثورة وضدها.. دعما للسلفيين ولأعدائهم معا.. للقوميين والإخوان معا.. لإسرائيل وحماس معا». هكذا فإن التدلل القطرى انتهى إلى مسرحية أعلن فيها عن شحنات غاز هدية من ولى العهد «هللت لها (اليوم السابع) التى يملك أبو هشيمة وراعيه القطرى نصيبا فيها».. وهى شحنات لا تكفى خمسة أيام لتمر الصفقة كما تريدها قطر بسعر ١٣ أو ١٤ دولارا فى الوحدة «بينما تبيع مصر وحدة الغاز بـ٥ دولارات».
المرسى خاض كل حروبه تحت وهم أن قطر ستعبر به نفق الأزمة الاقتصادية، لكن كل ما ضخته من أموال «فائدة الوديعة القطرية ٤٪» لم يكن سوى مسكنات تربط مرسى ونظام الإخوان بدورة سياسية، تبدو فيها قطر اللاعب الرئيسى فى التحضير لحرب إقليمية باردة مسيطر عليها «بين السنة والشيعة.. إذا أردت أو بين المشروع الأمريكى وممانعته إذا شئت توصيفات أخرى».
تلعب قطر على أكثر من طرف لتبدو بحجمها الصغير، وبخفتها التاريخية، عنصرا مقلقا لكيانات تقليدية كبرى، لا بد أن تفقد مواقعها فى إطار تفكيك وتركيب المنطقة، فى إطار «قومية البيزنس» التى تطلب من مصر أن تبقى على موقعها دون فاعلية، أو دون «تصدير» ثورتها أو فى صورة محدثة للبطل المدافع هذه المرة ليس عن العروبة ولكن عن السُنية. مرسى نسخة ينفخ فيها لتلعب الدور بعد صعوده من الكومبارس، ولهذا فاتورته التى يجب أن يدفعها أحد. قطر تدفع من أجل أن يعاد تركيب «مبارك» الإخوانى، المعتمد على معونات إقليمية «كانت تأتى أيام مبارك من الرياض وأبو ظبى» وها هى مع مرسى تأتى من الدوحة. المعونة القطرية تعيد أساسا من أساسيات دولة مبارك، وهى أن استقرار نظامه، يرتبط بعناصر خارجة: رعاية أمريكية تغطيها أموال خليجية.
تسويق هذه المعادلة لم يعد سهلا بعد الثورة، أو فى ظل استمرارها، لأنها شعبيا لم تعد تسمى: «أخوة» أو «تضامن أشقاء» أو حتى «فاتورة رد الجميل للشقيقة الكبرى».. اسمها الآن «تسول» كما تقول خطابات يصل تطرفها الساخر عبر باسم يوسف فى أغنية «قطرى حبيبى» التى هزت أيقونة غنائية من أيقونات الوحدة «الناصرية»، ودفعت جمهورا للبكاء أمام مخزن العواطف القديمة.
«المعونة القطرية» هى إعادة ربط مرسى بنظام إقليمى، مشكلته أنه غامض بالنسبة للجمهور العادى الذى لا يفهم كيف تجمع بين «حماس» و«إسرائيل» فى سلة واحدة.