تواصل حملة «تمرُّد» جمع توقيعات سحب الثقة من الرئيس مرسى، وتتصاعد الأرقام على نحو غير مسبوق وإن كان متوقعًا، فقد ذكرت الحملة مع نهاية الأسبوع الأول من الشهر الثانى أن أعداد الموقعين قد اقتربت من خمسة عشر مليونًا، وهو العدد الذى اشتهدفته الحملة قبل انطلاقها. فى المقابل يسيطر التوتر على جبهة «تجرد» التى شكّلها تيار الإسلام السياسى لمواجهة نشاط حركة «تمرد»، وبدأت عمليات الاحتكاك والتحرش والاعتداء على الحملة والمقرات التابعة لها. ووسط السجال الدائر بين المواطنين عما يمكن أن يحدث فى الثلاثين من يونيو الجارى، عندما تعلن الحملة بداية الخروج إلى الشوارع فى تظاهرات واعتصامات سلمية، لمطالبة الدكتور مرسى بالقبول بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، بدأت أحزاب تيار الإسلام السياسى فى إطلاق التهديدات ضد كل مَن سينزل إلى الشارع، وكما اعتادت هذه الجماعات وبتنسيق كامل مع الجماعة، بدأت بتوجيه الاتهامات إلى الكنيسة المصرية بالوقوف وراء الحملة وأنها تفعل ذلك كراهية للمشروع الإسلامى، بل هناك مَن قال إنه عداء للإسلام، وكان المنطقى بعد ذلك تهديد الكنيسة المصرية بضرورة منع الأقباط من المشاركة فى فاعليات الثلاثين من يونيو، وتم تكليف الجماعة الإسلامية بهذه المهمة، فخرج علينا السيد عاصم عبد الماجد، ليطلق سلسلة من التهديد والوعيد للكنيسة والأقباط، مؤكدًا أن الكنيسة لو أقنعت أولادها بالنزول فى ٣٠ يونيو، فإنها بذلك تضحى بهم. جاء رد الكنيسة المصرية بأنها لا تملك منع الأقباط كمواطنين من التصرف وفق رؤيتهم كمواطنين أقباط لهم كامل الحرية فى التصرف على النحو الذى يرون، وأن الكنيسة دورها روحى بالأساس ولا ترغب فى لعب دور سياسى، دورها أن تصلى لله أن يحفظ مصر ويصونها. رغم ذلك واصل تيار الإسلام السياسى إطلاق التهديدات وسرّبوا معلومات تقول بأن لديهم جماعات مسلحة مصرية وغير مصرية موجودة على أرض مصر، ومنها مَن يحصل على تدريبات خارج الحدود، وأن هذه الجماعات سوف تنزل إلى الشوارع قبل الثلاثين من يونيو للدفاع عن شرعية الرئيس مرسى. تصادفت تهديدات الجماعات الإسلامية بإشراف كامل من حزب الحرية والعدالة، فأشاعوا أجواء من الخوف، تحدثوا عن الأشلاء والدماء، كل ذلك فى مواجهة حركة سلمية تتبع طريقًا شرعيًّا يقول إن الشعب يريد إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، لأن الرئيس مرسى لم يحقق أيًّا من وعوده، بل إنه يدفع مصر إلى طريق التدهور الشامل فى كل المجالات، لكل ذلك يرى قطاع كبير من المصريين يزيد عدده على مَن انتخب مرسى، ضرورة العودة إلى صناديق الانتخاب، وهو أمر ديمقراطى مشروع، وآلية معروفة عالميًّا سبق ولجأت إليها دول عديدة لحل تناقضات باتت تهدد سلامة البلاد واستقرارها، هناك مَن أجرى استفتاء على استمرار الرئيس من عدمه، وهناك مَن أجرى انتخابات رئاسية مبكرة دون أن يهدد فريق جزءًا من المواطنين، ودون أن يتوعّد بحرق الوطن فى حال الذهاب إلى الصندوق قبل الموعد المحدد. لكن الملاحظ أن ما تقوم به الجماعة ورفاقها وتحديدًا الجماعة الإسلامية من استعدادات وما تطلقه من تهديدات وتغرق فيه من لغة تهديد ووعيد هو أمر يخص تيار الإسلام السياسى بصفة عامة، فما يقوله مرسى ورفاقه فى مصر يكرره أردوجان وفريقه فى تركيا، نفس العقلية التآمرية واللعب على عوامل الانقسام الأولية من عرق ودين وطائفة. فى مصر يقولون إن الأقباط والكنيسة وراء البلاك بلوك وتمرد، وفى تركيا يوجهون الاتهامات إلى الأكراد، فى مصر يدعون للاحتشاد الكبير ويلوّحون بالقوة، وفى تركيا يقول أردوجان إن الشعب معه ويدعو أنصاره للاحتشاد فى مواجهة مَن يطالبونه بالرحيل. لم تتوقف الجماعة ورفاقها أمام ما جرى فى الخامس والعشرين من يناير، عندما خرج الشباب محتجًّا على تجاوزات الأمن، لم ترهبه الحشود الأمنية الهائلة ولا استعراض القوة الذى اعتاد العاطلون على القيام به فى مواجهة حفنة من المتظاهرين، نزلوا إلى الشوارع والميادين طلبًا للحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، وتسبب بطء وتبلد الرئيس السابق فى تحويل الاحتجاجات إلى ثورة، وأدّت اعتداءات قوات الشرطة إلى زيادة غضب المصريين فكانت نهاية النظام، لم يخش المصريون تهديدات العادلى وأجهزته الأمنية، ونجحوا فى إسقاط قوات أمن العادلى التى كانت تتجاوز المليون، مدججة بأسلحة تخص الجيوش، لا قوات الأمن. باختصار يبدو واضحًا أن نظام مرسى والجماعة لم يتعلم من تجربة الخامس والعشرين من يناير، فيواجهون مطالب مشروعة بتهديدات، ويلوّحون بالميليشيات، ويستخدمون تهديدات من زمن «فات» لم تنفع مبارك ورفاقه، ولن تنفع مرسى وجماعته.
تهديدات من زمن «فات»
مقالات -
نشر:
12/6/2013 2:13 ص
–
تحديث
12/6/2013 9:18 ص