الاتحاد مجرد خيار.. التفرق فى حال السلم مفيد جدا، لأن التقدم يعتمد على اكتشاف الآفاق الجديدة، واكتشاف الآفاق الجديدة له فرصة أكبر جدا حين يتخذ الأفراد والمجموعات مواقع مختلفة. كما أن الأفراد ومجموعات الأفراد المتشابهين يعملون بشكل أفضل كثيرا حين يكونون متحررين من خنقة الشائع وأنصاره.
لو كنتِ فى ظلام، فقد يكون تفريق الشمع وإشعاله واحدة بعد الأخرى أفضل لإدامة الإضاءة. لو كنتِ تلعبين مباراة كرة فإن توزيع اللاعبين على أرض الملعب أفضل من جمعهم حائطًا أمام مرماك للدفاع عنه.
إنما فهم هذا يحتاج إلى منظومة أخرى من الأخلاق غير التى يعرفها أصحاب «التوحد كخيار وحيد»، وهذه المنظومة تضع العدل العقلى المنطقى -وليس الثناء المجتمعى الموروث- حكما على الأخلاق، وتضع السماحة فى مرتبة متقدمة جدا، وتضع الثقة اليقظة فى مرتبة مهمة جدا. أما الذكاء فذروة السنام.
الآن دعينى أضرب لكِ مثلا خاصًّا بهذا المقال عن موضوع «الاتحاد قوة». تخيلى أنك وسط إخوة تقاسمتِ معهم ثروة. المستقبل أمامكم مظلم، وتريدون أن تنيروا الطريق لأنفسكم لكى تتبينوا خطواتكم. لكى تنيروا هذا الطريق وسط الظلام لا بد أن يضحى أحدكم بجزء من جسده لكى يصنع منه شمعة.
لو رفض الإخوة الآخرون فعل ذلك فإن ثقافتنا تمدح مقولة «أنت الشمعة التى تحترق لكى تضىء للآخرين». قيمة أخرى تؤخذ بكل ثقة على أنها إيجابية. بينما الحقيقة أنها ليست كذلك. الاحتراق من أجل الآخرين -فى الظروف العادية- ليس فعلا حسنا. لماذا؟
١- لأن الإخوة أثبتوا أن لديهم من الحرص وحب الذات ما جعلهم يتقاعسون عن التعاون من أجل خير الجميع.
٢- لو أشعلت نفسك شمعة فإن لك عمرا افتراضيا. ماذا ستفعلين بعده؟ لماذا تفترضين أن من رفضوا أن يضحوا بجزء ضئيل من أجسادهم، وهم قادرون، من أجل الجميع، سيفعلون ذلك من أجلك أنت وحدك؟ إنك تعطين البخل والشح والتذاكى فرصة للانتصار والسيادة.
٣- لأن التعاون الذكى هنا يشمل البدء من العدل العقلى. بمعنى أنكم خمسة، يجب أن يقدم كل منكم جزءا ضئيلا جدا ومتساويا مع الآخرين (٢٠٪ نصيب كل شخص) لإضاءة الطريق. بهذا ستنيرون لأنفسكم. وحتى لو لم يبادر إخوتك، تستطيعين كإنسانة تحب النفع لنفسك وللآخرين أن تقدمى جزءا من نصيبك كبادرة حسن نية. لكن لا تقدمى أكثر من ذلك. فإن انتهى ولم يتطوع آخر لكى يقدم، فلا تستمرى. لا ينبغى للكرم أن يكون عونًا للشحّ.
الأمور المسلَّم بها ليست دائما سيئة فى حد ذاتها، إنما سيئة فى تفاصيلها، سيئة فى عشرات الافتراضات التى تنتج عنها والتى تتحول هى أيضا إلى مسلّمات. عدّلى القاعدة الأساسية. مثلا «الاتحاد قوة حين يكون نافعا». هذا مهم لأنك حتى إن لم تخرجى تماما عن المسلّمة الأساسية فقد توصلت إلى صيغة جديدة لها. ومهم لأنك استخدمت كلمة مثل «نافعًا». كلمة عظيمة مهملة فى سياق حديثنا عن الأخلاق.
ثم إن هذه الطريقة فى التعاطى مع الأخلاق ليست الأفضل فقط لأنها تحقق لك منفعة، وللمجتمع منفعة. هذا سبب كافٍ لكى تكون أفضل. لكنها أيضا أفضل لأنها أسمى، فهى تحقق العدل المعصوب الأعين، الذى لا يفرّق ولا يجامل. العدل الذى نستطيع أن نحققه بأيدينا وفق قدراتنا البشرية. العدل الذى لا يترك فى النفس مرارة الإحساس بالغبن والتعرض للاستغلال، ومن ثم انقلاب التضحية إلى نقمة كما يحدث غالبا. العدل الذى يردع المتسللين من ثغرات «الطِّيبة الإنسانية» لكى يدمروها، وينبههم إلى أن الطِّيبة لا تعنى التنازل عن الحقوق، ولا تعنى الغفلة.
جَرِّبى هذا على غيره: الكرم - الستر - العفة - الوسطية - الغلبنة - الطِّيبة - الحياء - بر الوالدين - الطاعة - التصدق.. لعبة مش بطالة. هنرجع نتكلم فيها أكتر بعدين. شايفة الأشرار مسليين إزاى؟!