هل يتمسك رئيس الجمهورية بعلاء عبد العزيز وزيرا للثقافة ويعتبرها قضية مصيرية؟ الحقيقة هى أبدا، والأمر لا يعنيه فى شىء، ولو كان ثمن هدوء وزارة الثقافة والوسط الثقافى هو إقصاؤه لفعلها قبل عشرة أيام. علاء خط دفاع أول، مجرد حجر على الطريق، تحرص الجماعة على بقائه أطول فترة ممكنة، لأنه إذا سقط سيضطرون إلى الاحتماء بخط الدفاع الثانى، ثم فى نهاية الأمر تتساقط الحوائط تباعا. استراتيجيا لن يلقى به فى اللحظة الراهنة. الكل يعلم أن القضية ليست علاء ولكن الهدف إسقاط النظام، واللعب حاليا ع المكشوف. المثقفون والسلطة أو إن شئت الدقة المثقفون ومكتب الإرشاد، المثقفون يتابعون ما يجرى، وعلاء أداة لتنفيذ سياسة الإخوان، مثلما كان يفعل الوزير السابق صابر عرب، الذى كان يسير على نفس النهج وينفذ نفس السياسة. إيقاع علاء أكثر لهاثا، ولهذا كان من السهل رصده، أو هو فى الحقيقة أكثر فجاجة. نعم الفساد مستشرٍ فى جنبات وزارة الثقافة هذه حقيقة ولكنه يريد الأخونة، ويطلق عليها تطهيرا. ولأنه بلا وعى سياسى، تصور أن الحماية تأتى من المسجد، ولهذا ردد الجمعة الماضية من «رابعة العدوية»: «ع القدس رايحين شهداء بالملايين، وخيبر خيبر يا يهود.. جيش محمد سوف يعود». وهتف للإخوان واحتمى بالتيار الذى يتدثر بالدين، ودافع عن مواقفه فى فضائيات تُطلق على نفسها إسلامية، مرددا أن هدفه الحفاظ ثقافيا على هوية مصر الإسلامية، من أجل اكتساب قطاع فى الشارع، تمنح كلمة إسلامى نوعا من القداسة لأى مشروع، لعب بكل الأوراق فى محاولة لكسب الرأى العام. شروط اللعبة تقتضى إحالة المختلفين إلى كفرة، وهكذا يصدرون للإعلام أن المعركة بين المجون والدين. هؤلاء لم يدركوا أن الشارع المصرى أنضجه حُكم الإخوان. عام من الأخونة كان كفيلا بأن يكشف كثيرا من المسكوت عنه. لم يعد الأمر له علاقة بالدين ولكن بفساد نظام لا يملك شيئا سوى الوعود الزائفة باسم الدين، فهم يعتبرون الجامع وسيلة للحفاظ على الحكم لا التقرب إلى الله. علاء عبد العزيز ذهب للجامع طلبا للحماية، بينما لو دقق فى الأمر لاكتشف أن مكتب المرشد يعتبره مجرد حجر فى الطريق، يُبقى عليه مؤقتا، وأن المكتب لو ضمن أن الحجر سينهى الصراع لكان هو أول من يتخلص منه. الكل يعلم تلك الحقيقة وعلاء آخر من يعلم.
الصراع يزداد اشتعالا ليصبح جزءا فاعلا فى المعركة الفاصلة التى تلوح فى الأفق لتغيير ملامح مصر. وبالمناسبة لن يتفق المثقفون على اسم وزير من قبل ولن يتفقوا أيضا، وبين صفوفهم من يعتبر أن كل ما يجرى فى الوزارة من تغييرات مقياسه الوحيد فى الموافقة أو الرفض هو تحقيق مصالحه اللحظية، إلا أن هناك هدفا أسمى توحدوا حوله وهو إسقاط النظام الإخوانى. لا يهم الدوافع. البعض انضم إلى ثورة الغضب، لأنه يرى بقعة ضوء. راجع مثلا سرادقات العزاء للفنانين، عدد منهم دافعه ليس الحزن والرغبة فى المؤازرة، ولكن يحصى عدد الكاميرات الممكنة والمحتملة. بعضهم شارك فى الغضب وهو يتمنى أن يُطرح اسمه كوزير قادم. تعددت المشارب التى من الممكن فى ظرف آخر أن تتعارض لو كان الهدف هو مقعد الوزير، ولكنها هذه المرة توحدت لأن الهدف الاستراتيجى هو الإطاحة بمرسى. كل تلك التفاصيل والنتوءات التى ندركها فى العلاقات داخل الوسطين الثقافى والفنى تلاشت تماما أمام معركة إسقاط مرسى والجماعة.
فى أول اختبار للمعتصمين وهم يديرون الشأن الثقافى، عليهم أن يدركوا أن النشاط يجب استمراره. وزارة الثقافة تملك مساحات وساحات، والمبدعون لديهم طاقات يجب أن نراها فى ربوع مصر، وإلا فما هو معنى غضب المثقفين إذا لم يتجاوزوا احتلال مكتب الوزير.
30 يونيو هو الخط الفاصل، الكل ينتظر هذا اليوم لتغيير وجه مصر، بينما الوزير لا يملك سوى أن يستمر فى الهتاف من جامع رابعة العدوية «ع القدس رايحين شهداء بالملايين» وهو فى الحقيقة لا يستطيع أن يخطف رجله ويذهب دقيقتين إلى شارع شجرة الدُر.