نحترم دور الأزهر ونعرف قيمة شيخه. فقد ظل الأزهر لأكثر من ١٠٠٠ سنة يذود عن حياض الإسلام الوسطى ويحمى شأفته.. وحين ندافع عن الأزهر وشيخه لا ننطلق من أى منطلق غير معرفتنا بالدور والقيمة.. ظللت لشهور وسنوات أبحث عن دور الأزهر فى سيناء، أتحدث عن دور غير الدور الوظيفى لمشايخه فى الإفتاء والتدريس.. أتحدث عن دور فى الاشتباك مع أسئلة الناس اليومية والحياتية. وحرى بالأزهر أن يشتبك معها ويقدم لها الحلول ويحاول أن يملأ المساحات الفارغة وإلا انقض غيره ليملأها.. تعرف يا شيخنا انتشار المحاكم الشرعية فى سيناء بدءا من ٢٠٠٧، وهى محاكم يقوم عليها شباب من جماعات سلفية ليسوا على الدرجة الكافية من معرفة العلوم الدينية.. وليس مطلوبا منهم أن يكونوا على تلك الدرجة من العلم؛ فمعظمهم لم يتلق تعليما دينيا أكاديميا وكل ما هناك قراءة كتاب من هنا وفتوى من هناك يتبعها اجتهادات هى للهواة أقرب منها لإجابات المحترفين.
لم تكن الجماعات السلفية لتملأ الفراغ، لولا أن هناك مسؤولا شارك، تحت ضغط الواقع، فى ترك دوره ومكانه لهذا الفراغ. والطبيعة تكره الفراغ.. القضاء العرفى طاله الفساد بعد ضغوطات أمن الدولة الشديدة على قضاته «تعرضت شخصيا لتجربة الضغط على القاضى لحط الحق علىّ.. مما أجبرنى على ترك حقى». أيضا القضاء العرفى تقادم وصار عاجزا عن الإجابة عن أسئلة الناس التى فرض معظمها التباس الواقع ودخول عناصر جديدة فى المعادلة المحلية جعلت القضاء العرفى أعجز من أن يشتبك مع أسئلة الناس ويساير الواقع. القضاء المدنى مريع «بالمعنى الحرفى للكلمة» وغير متوافق مع معظم قضايا الناس المحلية.. وهو فى سيناء دونا عن كل المحافظات طاله الوقوع تحت ضغط شديد من أجهزة الدولة القوية هناك. الأزهر وشيوخه الأجلاء اكتفوا بأداء دورهم الوظيفى فى الخطابة والإجابة عن أسئلة الناس من مكاتبهم ومن فوق المنابر. لا أقلل من دور الأزهر هناك، ولا مع اشتباك شيوخه مع الواقع. وأستطيع أن أعدد آلاف الأدوار التى يقوم بها الأزهر والتى تكتب فى لوحات الشرف.. لكنه يا فضيلة الإمام الأكبر غير كاف فى ظل التحديات التى تواجه وجود الدولة المصرية فى سيناء.
اليوم وبعد ٦ سنوات من بدء المحاكم الشرعية، التى رعت بداياتها أمن الدولة ومديرية الأمن والمخابرات، صرت أسمع الناس وأراهم وهم يشتكون من هذه المحاكم.. صرت أراهم يتلفتون بحثا عن الأزهر وبحثا عن شيوخه.. وعلى طول التاريخ علمنا الأزهر أنه فورا يكون بجوار من يتلفت باحثا عنه. الأزهر وهو المؤسسة المليئة بالكفاءات العلمية حرى به اليوم أن يحط خطه لملء فراغ العدالة فى سيناء. لدىّ كثير من الأفكار فى هذا المجال، ولكن أعرف أن لدى مشايخ الأزهر ما هو أكثر وأعمق. مثلا، لماذا لا يقوم الأزهر بتشكيل لجنة من مشايخه ومعهم قيادات محلية تقعد لحل مشكلات الناس.. تشرف على هذه اللجنة أنت شخصيا، بمقامك العالى وهيبتك التى تملأ قلوب الناس يا فضيلة الإمام. خصوصا وقد تفضل واحد من مشايخ القبائل فى وسط سيناء، فى حضور محافظ العريش. وطالب بلجنة أزهرية تقعد لحل مشكلات الناس هناك.. لاحظ يا فضيلة الإمام الأكبر، أننى أكتب لك وأنا أعرف أنك رجل صعيدى، بحكم المنشأ والولادة. وتعرف ما أقول دون كثير من الشرح.
لن يكون دور هذه اللجنة دورا اجتماعيا فحسب، بل هو دور فى الأمن القومى ولحماية أمن مصر، بإقرار عدالة متوافقة مع ظروف الناس وغير متعارضة مع صحيح الدين. فأول هدف من أهداف المتربصين بمصر هو إنهاك عدالتها. أو استيراد عدالة من أراض أخرى غير أراضيها العامرة.. فمن غير المعقول أن تستند المحاكم الشرعية إلى فتاوى قادمة من الرياض فى بلد الأزهر.. أخيرا، لا شك أن هذه اللجنة ستواجه كثيرا من المشكلات. لكننا تعلمنا أنه كلما زادت أهمية المشروع زادت المشكلات التى يواجهها وكانت قدرته أعلى على تحديها.