فى تعريف البعض أن الإنسان حيوان له ذاكرة، فالذاكرة هى التى تحفظ للإنسان تجاربه، بما يسمح له بالاستفادة منها وبالبناء عليها، ومن هنا يجىء تقدم الجنس البشرى. ودار الكتب والوثائق القومية هى ذاكرة مصر القومية التى تحفظ مستنداتها التاريخية والسياسية والثقافية، وهو ما يتعلق مباشرة بأمنها القومى.
وقد كشفت الدكتورة إيمان عزالدين، المشرفة العامة السابقة على دار الكتب بباب الخلق، أن جماعة الإخوان طلبت الحصول على وثائق الثمانين عاماً الماضية كاملة، بما فيها ما يتعلق بجماعة الإخوان نفسها، وأن المدير السابق لدار الكتب والوثائق القومية الدكتور عبدالناصر حسن رفض إخراج هذه الوثائق، مما حدا بوزير الثقافة إلى إنهاء انتدابه على الفور هو وأربعة آخرين من رؤساء إدارات الدار.
فى الوقت نفسه، نشرت الكاتبة الصحفية سكينة فؤاد ما سمته «بلاغ إلى شعب مصر» قالت فيه: «أقسم بالله العظيم مصر تسرق الآن! دار الوثائق التابعة لوزارة الثقافة فى خطر، والإخوان يحاولون سرقة مستندات وخرائط غاية فى الخطورة»، وقالت إن هذه المستندات تتعلق بعدد من أدق القضايا الخاصة بالأمن القومى المصرى، ذكرت منها حلايب وشلاتين، التى كان قد قيل إن «مرسى» قد وعد السودانيين بالتنازل عنها، وسيناء التى تردد أن الإخوان ينوون التنازل عن أجزاء منها لتوطين الفلسطينيين، وحوض النيل والحدود مع ليبيا وغير ذلك، بالإضافة لمستندات قالت إنها تدين تاريخ الإخوان، وتتصل بأصولهم الماسونية الصهيونية، على حد قولها.
وقد أطلق المثقفون المعتصمون بوزارة الثقافة نداء للقوات المسلحة والشعب المصرى والمؤسسات الدولية المعنية، لسرعة إنقاذ تاريخ مصر من السرقة بواسطة الإخوان، وطالبوا بتشكيل لجنة متخصصة محايدة للإشراف على دار الكتب والوثائق القومية لما تمثله من ذاكرة لمصر، ولما تحويه من وثائق سيادية ومستندات تاريخية تتعلق بدقائق التاريخ المصرى.
فماذا يعنى كل ذلك؟ إن معناه بالطبع أن أمن مصر القومى أصبح فى خطر، لكن الأخطر من ذلك هو أن مصدر الخطر ليس جماعات فوضوية فى الشارع تشن هجوماً إرهابياً على دار الكتب والوثائق القومية أو تسعى لحرقها، وإنما مصدر الخطر الذى يتهدد تاريخ مصر وذاكرتها هو من هم فى الحكم الآن الذين يسيطرون على أجهزة الدولة ومؤسساتها، ويتحكمون فيها، وحين يلاقون مقاومة لمحاولات السطو والتخريب التى يقومون بها من العاملين بهذه الأجهزة ـ يقومون على الفور بإقالتهم وتعيين من يلبون لهم طلباتهم، فهل شهد العالم مثل ذلك من قبل؟!