تأملْ معى هذا الحلم الذى كتبه ونشره سيد الكتابة العربية نجيب محفوظ فى كتابه المذهل والأروع «أحلام فترة النقاهة»، يكتب محفوظ:
«رن جرس التليفون وقال المتكلم:
الشيخ محرم أستاذك يتكلم
فقلت بأدب وإجلال:
أهلا أستاذى وسهلاً..
- إنى قادم لزيارتك.
- على الرحب والسعة.
لم تمسنى أية دهشة على الرغم من أننى شاركت فى تشييع جنازته منذ حوالى ستين عاما وتتابعت علىَّ ذكريات لا تُنسى عن أستاذى القديم فى اللغة والدين وما عُرف عنه من وسامة الوجه وأناقة الملبس، إضافة إلى شدته المتناهية فى معاملة التلاميذ، وجاء الشيخ بجبّته وقفطانه الزاهيين وعِمّته المقلوظة وقال دون مقدمات:
هناك عايشت العديد من الرواة والعلماء، ومن حِوارى معهم عرفت أن بعض الدروس التى كنت ألقيها عليكم يحتاج إلى تصحيحات فدوّنت التصحيحات فى الورقة وجئتك بها.
قال ذلك ثم وضع لفافة من الورق على الخوان وذهب».
هل وصلك ما وصلنى من معنى ومغزى من هذا الحلم، لن أشرحه فأجرحه، فقط أريدك أن تنشغل معى بتفسير ممعن ومتعب لهذا الحلم الذى كتبه سيد الرواية العربية نجيب محفوظ، كتب يقول:
«فى ظل نخلة على شاطئ النيل استلقت على ظهرها امرأة فارعة الطول ريانة الجسد، وكشفت عن صدرها، نامت، يزحف نحوها أطفال لا يحصرهم العدّ، وتزاحموا على ثدييها ورضعوا بشراهة غير معهودة، وكلما انتهت جماعة أقبلت أخرى وبدا أن الأمر أفلت زمامه وتمرد على كل تنظيم، وخُيِّل إلىَّ أن الحال تقتضى التنبيه أو الاستغاثة ولكن الناس يَغُطُّون فى النوم على شاطئ النيل، وحاولت النداء ولكن الصوت لم يخرج من فمى وأَطْبَق على صدرى ضيق شديد، أما الأطفال والمرأة فقد تركوها جلدة على عظم، ولما يئسوا من مزيد من اللبن راحوا ينهشون اللحم حتى تحولت بينهم إلى هيكل عظمى، وشعرت بأنه كان يجب علىَّ أن أفعل شيئا أكثر من النداء الذى لم يخرج من فمى، وأذهلنى أن الأطفال بعد يأس من اللبن واللحم التحموا فى معركة وحشية فسالت دماؤهم وتخرقت لحومهم، ولمحنى بعض منهم فأقبلوا نحوى أنا لعمل المستحيل فى رحاب الرعب الشامل».
انتهى الحلم ولا شك عندى أنك تعرفت على بطلة هذا الحلم.