سألوا الشاعر والصحفى كامل الشناوى عن الفارق بين التوأم على ومصطفى أمين فى المنهج الصحفى أجابهم.. على يصنع من القبة حبة، بينما مصطفى يحيل الحبة إلى قبة. كان مصطفى أمين قادرا على إثارة اهتمام القارئ بأى حدث قد يبدو صغيرا، ولكنه يضيف إليه الكثير من التحابيش فيتحول إلى «مانشيت».
لو سألت مثلاً عن أهم حدث فى مهرجان الإسماعيلية الذى انتهت فاعلياته أول من أمس، ستكتشف أن الصحافة كانت مشغولة بتتبع الفيلم القصير «فردى» بطولة خالد النبوى، حيث احتل مساحة ضخمة لا تتناسب لا مع قيمة الفيلم ولا مع ملامح المهرجان، حيث إن إدارته استجابت لإلحاح بطله وعقدت له ندوة منفردا لمدة ساعة، وهو على المقابل لم يتوقف لحظة فى مد الجرائد والمجلات بتفاصيل هذا اللقاء، فى النهاية خرج الفيلم بلا شىء فلا جائزة ولا تنويه، ولكن تحقق هدف بطل الفيلم وهو أن يصبح فى مقدمة «الكادر»، لقد أنفق يوما فى تصوير الفيلم، وعليه أن يأخذ على المقابل حضورا إعلاميا، خصوصا أنه صور الفيلم مجانا.
الفيلم متواضع أول مَن يعرف ذلك ربما هو خالد، ولكن ما يشغله هو إثارة الرأى العام ليذكره دائما بأنه لا يزال يحتل مساحة على الخريطة. ما الذى يقدمه الفيلم؟ البطل لا ينطق كلمة طوال الأحداث، وفى النهاية وفى تعبير مباشر ودلالة فجة يتبول على نفسه فى الأسانسير أمام ابنه وهو يهديه تورتة العيد. هل كان الفيلم يتناول الظلم الطائفى الذى يتعرض له الأقباط، فهل فعل التبول اللا إرادى هو الدلالة على ذلك.
المقصود بـ«فردى» هو المصعد الفردى الذى يخدم الأدوار الفردية، وللكلمة دلالة معنوية على إحساس البطل بأنه أيضا فى هذه العمارة «فردى»، والبطل دكتور فى شركة أدوية ودائما ما يقدم إلى الجيران عينات مجانية لحل مشكلاتهم الصحية والجنسية، ويسهم مثل السكان فى إصلاح المصعد، وفى العادة دائما ما نرى آيات قرآنية فى المصعد، وصرنا نستمع إلى دعاء الركوب مسجل دون مجرد التفكير فى أن هذا المصعد من الممكن أن يخدم عددا من الأقباط، وليس من اللائق ولا أيضا من الدين فى شىء أن نجبرهم على الاستماع إلى دعاء الركوب، ليلقى الفيلم بالمعنى الذى أراده مخرجه كريم الشناوى، وهو أن كل هذه المظاهر صرنا نمارسها تلقائيا دون أن نشعر بأن الأماكن العامة يجب أن تظل محايدة لا ترتدى زيا دينيا، لجأ النبوى إلى حيلة الصمت فى الفيلم الذى كتبه هيثم دبور، وهو من أشق التعبيرات التى تحتاج إلى فنان عتويل، لأن الصمت درجات متعددة، ولكننا لم نر على وجه البطل سوى ملمح واحد وهو الصمت الممزوج بالغضب، ولم يضف البطل أى تنويعات فى الأداء، معتقدا أن هذا هو الإبداع وأن الجماهير سوف تخرج من الفيلم وهى تهتف باسمه لمجرد أنه كان يحدق بغضب فى الكاميرا.
ما دلالة التبول؟ إنه الخوف الشديد لم نر له مبررا، الجيران لم يدركوا أنه يحتفل بأحد الأعياد، وهو كثيرا ما يحدث، فالثقافة المصرية ومنافذ الإعلام الرسمية والخاصة لا تمنح أعياد المسيحيين مساحات من الاهتمام، لهذا قد يأتى عيد ولا يدرك المسلمون أنه يحمل مناسبة خاصة للأقباط، هناك ممارسات متطرفة فى طائفيتها نراها مثلا فى من يرفض أن يأكل مع قبطى أو يعتدى على كنيسة، كل ذلك بالطبع نرصده فى حياتنا، ولكننا لم نشاهد فى الفيلم تلك النماذج، بل كان الدكتور القبطى معطاءً لكل الجيران، وهم يحملون إليه مشاعر امتنان.
طالت مشاهد الأسانسير وكان ينبغى للفيلم ذى الدقائق التسع أن يختصر على الأقل منها ثلاث دقائق ما دامت الفكرة قد وصلت إلى المتلقى، فلا داعى لكل هذا الإسهاب واللت والعجن.
هل من الممكن أن يعيش الفنان على الصخب الإعلامى وأن ينتقل من مرحلة إلى أخرى وهو لا يعنيه شيئا سوى أن يظل فى البؤرة الصحفية؟ هل نحدد مكانة النجوم بمقياس الحضور الإعلامى؟ إنها مع الأسف صارت حرفة يجيدها البعض، تتبدد كل طاقتهم فى البحث عن أى بقعة ضوء فيصنعون من الحبة قبة، ثم لا تمضى سوى دقائق لتعود مرة أخرى القبة إلى حبة تذروها الرياح.