عدة ضربات نوعية سددّها ببراعة خيرت الشاطر، الرجل القوى داخل منظومة حكم الإخوان، فى مرمى المعارضة، وعلينا الاعتراف بأنه نجح فيما فشلت فيه الرئاسة، فاجتمع بعمرو موسى بمنزل أيمن نور، الذى يدرك الجميع طبيعة الدور الذى يلعبه منذ وصول الإخوان للسلطة، لكن موسى السياسى المُحنّك راح يتذرع بأنه كان ضحية «فخّ» نصبه له نور ليجتمع بالشاطر والكتاتنى، وهذا عُذر لا يستساغ من سياسى مخضرم، ثم ما المشكلة أن يجتمع بقادة الإخوان علانية، ويحاورهم باسم حزبه بدلا من حديث الغرف المغلقة؟
فى مكان آخر كان النائب السابق عمرو حمزاوى يشارك فى جلسات الحوار الهزلية وما اكتنفها من ملابسات دُبرت لغرض فضح المشاركين، ومنهم حمزاوى الذى ذهب رغم موقف «جبهة الإنقاذ» الرافض، ولم يكتف بالتغريد خارج سربها، بل وصف قادتها بأنهم يزايدون على المصلحة الوطنية وهواة خلط المعايير ومنتجو السياسة الرديئة الذين تجاهلوا المصلحة الوطنية خوفاً أو تردداً.
فى مراحل التحولات العميقة تتباين الاجتهادات، وتضع الجميع، أشخاصًا وكيانات، حيال مواقف تتسع للخلاف والاتفاق، لكن ثمة قضايا لا تحتمل أنصاف الحلول والمواقف المائعة، خاصة حينما تكون البلاد فى هذه الحالة الضبابية التى يلتبس الأمر فيها حتى على اللبيب.
لكن لهذه السيولة السياسية زاوية إيجابية، هى أنها تُشكّل «لحظة فرز» ما أحوج مصر والمصريين إليها، فبعد لغو وتخبط ومزايدات ومهاترات وقف الشباب الثورى النقّى تائهًا حينًا، لا يجد تفسيرًا لما يدور حوله، وأحيانًا أخرى مصدومًا فى أسماء طالما كانت موضع تقديره واحترامه، فإذا بها لا تكتفى بالسقوط المخجل، بل تبادر لاتهام حلفائهم باستعلاء كما فعل حمزاوى، الذى خرجت كلماته كمعلم يلقى درسًا لمجموعة من التلاميذ البلهاء.
أما موسى فأنصحه مخلصًا بأن يستلهم سلوك البرادعى، الذى أصبح رمزًا ومظلةً يلتف حوله الشباب، بينما يضع ثقله وخبراته تحت تصرفهم، فحتى بمعايير العمر فقد تجاوز الزمن طموحات موسى، وليته يُنهى مسيرته بطريقة تليق بتاريخه، ولا يسقط فى فخاخ الانتهازيين الذين كشف الشعب معادنهم.
ليس ثمة مزايدات، بل مؤامرات ومخططات خطيرة وإن بدت للوهلة الأولى محلية، لكن بقدر من التأمل، وربط الأحداث سنكتشف أبعادها الإقليمية من قطر وإيران، إلى تركيا وسوريا، فضلا عن اللاعبين الدوليين كأمريكا والصين وروسيا والاتحاد الأوروبى، وكل ما يجرى حاليًا سيؤدى لخرائط جديدة يجرى رسمها للمنطقة.
نعود لمصر وتأكيدًا لما كشفته نتائج استطلاع أجراه مركز «بصيرة» بشأن حملة «تمرد» التى تؤكد ارتفاع مؤيديها لـ80% بالمحافظات الحضرية، فإن المنصف لا يملك سوى الاعتراف بأن الحملة نجحت فى الوصول للشارع بدرجة لا يمكن تجاهلها، وأن دعوتها للاحتجاج الشعبى أزعجت نظام الحكم الإخوانى، فراح يُدبّر المؤامرات ويخترق الصفوف ويُشيع مناخًا من اليأس والإحباط وتشويه الرموز التى طالما اصطف خلفها الثوار الأنقياء، الذين أراهن عليهم وحدهم، وأناشدهم الثبات والصلابة لأنهم أصحاب مصلحة فى مستقبل وطنهم، فبوسعهم أن يعيشوا كرامًا، أو يمتثلوا لدور القطيع الذى لا يعنى سوى السمع والطاعة كأعضاء الجماعة.
بعد التعديل الوزارى الأخير أعلنت «جبهة الإنقاذ» اعتزامها مواجهة «الإخوان» على شتى المسارات بالتوازى، سواء كانت سياسية: بتأسيس فعاليات موازية كالإعلان عن تشكيل «حكومة ظل» و«برلمان شعبى»، أو شعبية بحشد ومشاركة البسطاء فى الريف والعشوائيات، أو قانونية ودستورية بملاحقة كل ممارسات مؤسسات الدولة التى تحمل شبهة مخالفات، وصبّت هذه الخطوات لصالح شعبية الجبهة، خاصة أنها قدمت نفسها لرجل الشارع باعتبارها تمتلك بدائل حقيقية تتجاوز بيانات الشجب والاستنكار، أو حتى تنظيم التظاهرات الرافضة لممارسات السلطة الحاكمة دون بديل عملى على الأرض.
لكن بعد ما حدث، ألا ينبغى على أحزاب الجبهة الوقفة مع النفس ومراجعة أعضائها، حتى لا يخسروا الشباب الذين صدمهم ما حدث، بينما يزدادون إصرارًا على استرداد ثورتهم المسروقة بعيدًا عمن أدمنوا ألاعيب السياسة ومؤامراتها، سواء فى الحكم أو المعارضة؟.