قال: «لا أحدَ يختلفُ حول الإسلام/الدين، لكننا نتناقشُ ونجتهد حول: الإسلام/الدولة. الإسلامُ/الدين فى أعلى عِليّين، أما الدولةُ فهى كيانٌ سياسىّ، وكيان اقتصادى، وكيان اجتماعىّ، يلزمه برنامجٌ تفصيلى يحدد أسلوب الحكم.» قال هذا، فقتلوه، فى مثل هذا اليوم قبل واحد وعشرين عامًا فى 8 يونيو 1992.
قتلوه لأنه حاول أن يعيد للإسلام عظمته بتخليصه من الترهات الدموية التى ألصقها به أعداءُ الحياة كارهو البشر، متسترين تحت لواء الدين، والدينُ واللهُ منهم براء. قتلوه لأنه برّأ الإسلامَ من «فقه النكد»، (عنوان أحد مؤلفاته العظيمة)، الذى أدخله الجهلاء كذبًا ضمن فقه الإسلام السمح. أولئك الذين حرّموا الموسيقى والنحت والفنون التى ترتقى بالإنسان وتسمو بروحه، فتنأى به عن ارتكاب الفواحش. لم يسألوا أنفسهم لماذا خلق اللهُ الطيورَ صادحةً، والنحلَ ينحتُ مملكته الشمعية الإعجازية، وموجَ البحر وشلالات المياه وغصون الشجر تصنع لوحاتها التشكيلية الفاتنة! زعموا أن الله لا يسمح للمرأة بأن ترى إلا بنصف عينها اليسرى!، دون أن يسألوا أنفسهم لماذا خلقها اللهُ بعينين اثنتين مادام يكفيها «نصفُ عين؟! ولو أتعبوا أنفسهم قليلاً وقرأوا فى العلم، لتعلّموا أن الرؤية المجسمة ثلاثية الأبعاد، لا تتم إلا بالعينين معًا. حرّموا غرف الإنعاش وجلسات الغسيل الكُلوىّ ونقل الأعضاء، بزعم أنها تعطِّل لقاء المريض بربّه! طالبوا بختان الفيلسوف الفرنسى «روجيه جارودى» فى السبعين من عمره، قبل أن يسمحوا باعتناقه الإسلام! قتلوه لأنه كان أكثر إسلامًا وتديّنًا وعقلاً، منهم وممن أفتى بقتله، ومن الجاهل الذى ضغط الزناد دون أن يقرأ له حرفًا. سأله القاضى: «ليه قتلت المفكر الإسلامى؟» القاتل: «عشان كافر.» القاضى: «أىّ كتبه يحمل الكفر؟»، القاتل: «أنا ماقريتلوش أى كتاب.» القاضى: «ليه؟» القاتل: «مابعرفش اقرا ولا اكتب يا بيه. بس سمعتهم بيقولوا عليه كافر، فقتلته!».
رجلٌ مسلمٌ مستنير مثقف. أحب الإسلامَ جدًّا، فغار عليه من سلوك وبلاهات ظلاميين يشوّهون الدين ويفسدونه على المسلمين، ويهينون صورتنا أمام العالم. أراد أن يحفظ للدين مكانته القدسية بعيدًا عن يد السياسة البرجماتية الميكيافيلية القذرة، فقتلوه ويتّموا أطفاله الذين كبروا اليوم وصاروا شبابًا وشابّات يمقتون الغباء والاتّجار بالدين وتجّار الدين المرتزقة، أكثر مما نكرههم جميعًا وتمقتهم مصرُ الطيبة التى وقعت فى براثنهم ذات لحظة شؤم معتمة.
فكم، يا تُرى، «فرج فودة» جديدًا، تترقبه رصاصات الظلام فى عهد التيار الإسلامى الذى أفسد على الناس إسلامهم، وعلى الحياة سلامَها، وعلى مصرَ هويتها النقية وطيبتها وتحضرها بين العالم؟! موعدنا يوم 30 يونيو.