عائدًا إلى المنزل محمَّلًا بكل الآثار الجانبية المهلكة للحر والرطوبة وقفت أمام الأسانسير «أهوووف» وأحاول أن لا آخذ الحر على محمل شخصى، فى انتظار الأسانسير، كان قادمًا من غرفة الأسانسير، صوتا ساحرًا يغنى كلامًا لم أستطِع أن أميزه بالضبط، لكنه أسرنى بدرجة ما، كنت أشعر أن مُودَ الغناء كله له علاقة بمشاعر عظيمة، إلى أن سمعت بين الكلمات اسم «مصر»، فتيقنت من إحساسى.
تسللتُ إلى غرفة البواب، كان يقف أمام التليفزيون بينما على الشاشة شاب مصرى أسمر يواصل غناءه، عرفت أنه «أراب آيدول» بمجرَّد رؤية لجنة التحكيم.
أحمد جمال، كان هذا اسمه، متسابق فى واحدة من عشرات مسابقات المطربين المنتشرة حاليًّا، لكن لم يسبق لأحد من الموهوبين الذين شاركوا فيها من قبل أن يستدرجنى إلى هذه الوقفة، كان كل ما فى غناء أحمد جمال يشعّ بالأمل قدر ما يشع صوته بحزن يشبهنا ويشبه بيوتنا هذه الأيام، حزن إذا ما صادفته ستجده مغلَّفًا بابتسامة ما فى عجيبة من عجائب الدنيا التى لا تليق إلا بنا كمصريين.
كان أحمد جمال يقول:
يا اللى حضنِك هُوّا نفسه حضن أمى
يا اللى ليكى فيَّا أكتر م اللى ليا
يا اللى مهما بعدت عنِّك جوَّا دمِّى
يا اللى حُبِّك عندى حاجة مش عادية
كل شارع من شوارعك فيه حكاية
عن صحابى وعن حاجات حصلت معايه
ناس كتير قالوا لى غنِّى غنوة ليها
بس مهما أغنى برضه مش كفاية
رغم أى محنة صعبة عِشْتِى فيها
بكرة قادرين نبنى فيكى ألف قصر
يا اللى بتقولوا انّها راحت عليها
اسألوا كتاب التاريخ مين هيَّا مصر.
أنهى أحمد جمال الموال ثم أكمل المأساة بالدخول فى أغنية «يا حبيبتى يا مصر»، فكَّرت أن أفعلها لأول مرة فى حياتى وأمسك موبايلى لأصوِّت لمتسابق، هو يستحقُّها لأنه موهوب أولا، لكنه يستحقها أكثر لأنه على البعد طبطب على كثيرين من أهل مصر فى وقت تعجز فيه الأغلبية حاكمةً أو معارضةً عن أن تفعل ذلك.
«عايز حاجة يا أستاذ عمر؟»، قالها البواب، نظرتُ إلى أحمد جمال والناس تصفِّق له ثم نظرت إلى البواب وقلت له: « لا، تمام.. كله هيبقى تمام».