هل بدأت عملية البحث عن كبش فداء..؟
كتبت قبل أسابيع عن انشغال الغرف المغلقة لمكتب إرشاد الإخوان بمعنى ما بهذا النوع من التفكير الذى يليق بديكتاتورية تحت التمرين. من سيكون؟ لا تأكيد. والتردد سيد حوارات الخروج من «الأزمة»، كما تسمى الثورة على حكم محمد مرسى فى أدبيات الجماعة.
وفارق التسمية هنا ليس شكلانيا أو عابرا، أو مجرد تنافس حزبى، فالثورة التى ترى النظام القديم يطلى من جديد، لا ترى أن مرسى يفعل شيئا سوى تأسيس قواعد جمهورية الجماعة أو فى تعبيرات أخرى «دولة الفقيه المصرية».
الفارق بين الأزمة والثورة كبير، لكن الجمهورية الإخوانية لديها إدراك بأن الزمن ليس معها، وأن «فرصتها» توشك على الضياع، ولهذا تحاول اللعب على متناقضين، الأول المزيد من التشدد للشعور بالقوة، والثانى تقدم تنازلات ممكنة لعبور مضيق الوقت الصعب.
لدى الجماعة حزمة تنازلات كان يمكن أن تختار منها الأسهل حسب تقديرهم، وكان يبدو النائب العام أقرب كبش فداء للتضحية به للإيحاء بأن الجماعة «تحترم القانون»..، وهى «شطارة» إخوانية، لأنهم يضحون بمن افتقد فاعليته، ولم يعد قادرا على لعب الدور الذى من أجله أعلن مرسى انقلاب 21 نوفمبر، بالإعلان الدستورى.
دمر مرسى كل القواعد ليعين طلعت إبراهيم نائبا عموميا...واستخدم كل شىء (تجاوز صلاحيته.. واستخدم سلطاته بطريقة إجرامية.. وهدد وحذر وأثار الرعب.. ووعد وطمع.. واستخدم الكهنة للدخول فى سراديب القضاء)، فعل كل هذا ولم يمنح طلعت إبراهيم شرعية ولا جعله آمنا فى كرسيه.. وفى النهاية صدر حكم بعزله وقبلها أعلنت مؤسسات (مثل نقابة الصحفيين) وسياسيين (امتنع أغلبهم عن المثول أمامه رغم الضبط والإحضار).
طلعت إبراهيم لم يعد قادرا على دوره فى هندسة القمع، أصبح ذراعا مشلولة، لا تصطاد معارضين ولا تحمى الجماعة ومندوبها، وربما كان أكثر فاعلية وهو أحد «الخلايا النائمة» المكلفة باختراق «ثغر من ثغور الدولة» وبسببها يعفى من الدعوة والمهام العادية عضو الجماعة.
الخلايا النائمة خرجت من كهوفها ميتة تقريبا.
الآن كبش الفداء لن يكون أقل من المرسى.
سيخرجونها فى سيناريوهات مصل: استفتاء على انتخابات رئاسية (وهى لعبة خادعة.. لا أساس لها لكنها تستهلك وقتا)
المرسى لم يعد قادرا على اتخاذ إجراءات قمعية يعزز بها انقلاب 21 نوفمبر ويستعيد المبادرة.
بمعنى آخر استهلك آخر ما يمكنه من موجات جنون الطغاة، على شاكلة ما فعله السادات فى 5 سبتمبر 1981، واغتيل بعدها بأقل من شهر.
ببساطة لأنه لن يستطيع تنفيذ هذه الإجراءات، وببساطة لأن الجيش رفض.
الأسباب المعلنة للرفض تنتمى إلى التعبيرات الإنشائية.
أما غير المعلنة فهى قرارات بالابتعاد عن مواجهة الجماهير أو الدخول فى مواجهات لها طابع سياسى ضد طرف من الأطراف.. وإذا كان الرئيس سيتخد قرارات تحتاج إلى قوة تحميها وتنفذها.. فإن هذه القوة لن تكون الجيش.
والمشكلة هنا ليست فى رفض الإجراء، ولكن فى أن الطرف الأساسى فى «شركة الحكم» يتخلى عن «الشريك» الساعى إلى تأسيس جمهوريته.
الجيش لم يقبل بشراكة بلا قانون، أو يتعدى فيها الإخوانى مساحته، ويصور أنه يستطيع استخدام الجيش لأغراض دعم الجماعة (كمصدر قوة معنوية تقوم عليها الدولة غير المعنى القديم المبنى على أساس أن القوة العسكرية نواة الوطنية)... والمحدد هنا أن انتقال المعنى من (الجيش) إلى (الجماعة) أو من (الوطنية المقاتلة) إلى (الخلافة المجاهدة)... فإن هذا سيحرم المؤسسة العسكرية من اتساعها كمملكة بيروقراطية تدير 40٪ تقريبا من الاقتصاد، ولها مساحة عاطفية عند الشعب المصرى، تلك التى تترمم الآن عبر السخط من الإخوان.
هنا الجيش يكسب ليس من أجل الحكم، حتى ولو علت أصوات الاستدعاء، كما حدث فى المظاهرات أمام النائب العام، وانقسم المتظاهرون بين مناد لعودة الجيش وهاتف بسقوط حكم العسكر.
الجيش لن يعود غالبا، لكنه يعيد رسم موقعه فى جمهورية ما بعد الإخوان.
نعم.. الإخوان يدركون شعوريا أن جمهوريتهم فات أوانها، ويحتاجون ربما إلى كبش فداء كبير، يتصورون الآن أنه حكومة شراكة مع جبهة الإنقاذ، وتصل التضحيات إلى محمد مرسى، حيث يتردد بصوت لم يعد خافتا أن إنقاذ الجماعة يمكن أن يصل إلى حد التضحية بالرئيس، ليتم الحفاظ على التنظيم بشكل ما.
الاقتراح يعنى خروج محمد مرسى من اللعبة كلها، وهذا ما يجعله يبدو عصبيا، ويحاول على المستوى الشخصى البعد عن مصير كبش الفداء.
هل وصل الإخوان إلى هذه النقطة؟ سألت منذ أسابيع والسؤال الآن يبدو أكثر حضورا.