جاء العنوان الرئيسى لجريدة «الوفد»، عدد الخميس الماضى، تنديداً بوزير الثقافة «المونتير»، وكأن العمل فى مونتاج الأفلام سبة، بينما هو فن من فنون السينما، بل ربما يكون جوهر فن السينما، والإبداع فيه مثل الإبداع فى أى فن من الفنون من الشعر إلى الموسيقى.
ليست مشكلة الدكتور علاء عبدالعزيز، وزير الثقافة الجديد، أنه دكتور فى المونتاج، ولا أنه مدرس مونتاج فى معهد السينما، ولا أنه لم يترق إلى درجة أستاذ، وأهم وزراء الثقافة فى مصر من ثروت عكاشة إلى فاروق حسنى لم يكونوا من الأساتذة الدكاترة عندما تولوا وزارة الثقافة، فهذه مسألة داخلية تخص الجامعات دون غيرها، بل إن الصحيح ألا يستخدم اللقب العلمى إلا داخل الجامعات، وهكذا كان الأمر فى مصر فى زمن النهضة الحقيقية.
وليست مشكلة وزير الثقافة الجديد أنه من الأسماء «غير المعروفة»، أو بالأحرى ليس من «المشاهير» أو «النجوم»، ومرة أخرى لم يكن أى من وزراء الثقافة، الذين كانت لهم بصماتهم الكبيرة من «النجوم» قبل أن يتولوا الوزارة، وإنما أصبحوا نجوماً بسبب إنجازاتهم، ولو كانت الشهرة هى المعيار لتولى باسم يوسف رئاسة الجمهورية بالتزكية، ولتولى نجوم الفضائيات كل الوزارات بعد أن أصبحوا مثل نجوم السينما، وليس كل ما يلمع ذهباً.
وليست مشكلة وزير الثقافة الجديد أنه قام بتغيير بعض قيادات أجهزة وزارة الثقافة بإنهاء انتدابهم من الجامعات، وإنما المشكلة أنه جاء بقيادات أقل كفاءة، أو لمجرد أنهم أعضاء فى الحزب الحاكم، ومن حق أى حزب حاكم فاز فى انتخابات غير مزورة أن يعين خبراء الحزب فى المناصب التنفيذية، وهذا ما كان سيفعله حزب حمدين صباحى لو فاز فى الانتخابات أيضاً، أو أى حزب آخر، ولكن شرط أن تكون الكفاءة هى المعيار الأول والأخير، وبالكفاءات فقط تتقدم الأمم.
ومثل كل وزراء الثقافة بعد الثورة يقول الوزير الجديد إنه يكافح الفساد فى أجهزة الوزارة، وكلهم قالوا ولم يفعلوا، وربما لا يستطيع الوزير الجديد بدوره مكافحة الفساد، ولكن هذا لا يعنى أن وزارة الثقافة ليست غارقة فى الفساد، كما لا يعنى أنها الوزارة الوحيدة الغارقة فى الفساد، وهو ما يشيعه أعداء الفنون والآداب، الذين يريدون منع الفلسفة من مناهج التعليم، ومنع رقص الباليه، وإغلاق معهد الباليه فى أكاديمية الفنون.
إن صمت الأكاديمية تجاه من طالب بمنع الباليه أهم بما لا يقارن من تغيير قيادات بعض أجهزة الوزارة، وكذلك صمت وزارة الثقافة التى تتبعها الأكاديمية، ومن المؤسف حقاً أن الصوت الذى ارتفع ضد هذه الدعوة كان صوت فرقة باليه أوبرا باريس فى فرنسا، وصوت فرقة أوبرا براج فى الجمهورية التشيكية، حيث أوقفتا عروضهما عدة أيام. المشكلة الحقيقية هى الخطر الذى يهدد الثقافة المصرية الوطنية فى ظل حكم الإخوان، أو أى نظام شمولى لا يعترف بخصوصية ثقافة كل وطن.