لم يكن صاحب السيجار الكوبي ذو الرائحة العتيقة التي تنم عن أنه صنع في زمن آخر مجرد معارض لنظام الإخوان المسلمين إنضم إلى جبهة الإنقاذ التي شكلها الدكتور محمد البرادعي وحمدين صباحي بعد الإعلان الدستوري الذي أصدره محمد مرسي.. بل أنه قادم من زمن سيجاره زمن مبارك وصحبته وجنرالاته، وخلفه تاريخ كبير من السير في تدابير الدولة العميقة قدر عمره الكبير وبياض شعره وتجاعيد خريطة الزمن على وجهه.
لم تشفع له الكاريزما المزعومة التي أوهم نفسه هو ومحبيه ومؤيديه أنها هي أهم أسباب الحصول على ثقة الفقراء والمهمشين وأصحاب فكرة هيبة الرئيس في حصوله على التأييد الذي كان يتخيله ليكون رئيساً لمصر بناءاً على الكاريزما التي مر عليها الزمن حيث لم تعد هي المقياس الأساسي للشخصية القيادية في العصر الحديث التي تحظى باهتمام الناس خاصة وأنه ليس صاحب الجاذبية الكبيرة والحضور الطاغي الذي يتمتع به بعض الأشخاص والقدرة على التأثير على الآخرين إيجابيا بالارتباط بهم جسديا وعاطفيا وثقافيا، ويكون سلطة فوق العادة سحر شخصي يثير الولاء والحماس، وظل فترة ليست بالقصيرة أثير الصدمة التي كانت كالصاعقة خاصة بعد أن ضحى بمنصبه الأخير في الجامعة العربية من أجل هذا الحلم الذي كان يراوده عن نفسه منذ العقد السادس من عمره، حتى جاء اليوم الذي قرر التعامل والقبول والإنصياع إلى النظام الجديد ووافق على أن يكون شريك الفاشلون في كتابة الدستور أملاً في النظر إليه بعين الرضا التي تجعله مرشح لأي منصب رفيع في دولة الإخوان.. إلى أن جاء الإعلان الدستوري الذي ظن أنه قد يكون السبب في فشل اللجنة التأسيسية لصياغة الدستور ومن ثم سقوط دولة الإخوان وقرر الذهاب إلى الطرف الأخر الذي كان خصيمه منذ مبارك وحتى هذه اللحظة «طرف البرادعي ورفاقه» الذي لم يكن يوماً يحبه بل كان يهاجمه بضراوة من أجل مبارك و صحبته.
شفيع عمر موسى عند قيادات المعارضة وشبابها وكثيراً من القوى الثورية في قبول إنضمامه لقيادات جبهة الإنقاذ هو أنه رفض عرض التحالف مع شياطين الحزب الوطني الذين عرضوا على أحمد شفيق من بعده ووافق على الفور وهذا ما جعله المرشح الثاني في جولة الإعادة من الإنتخابات الرئاسية المشؤمة ولو قبل موسى لكان رئيساً ربما بضعف ما كان سيحصل عليه مرسي من أصوات، رغم أن موسى لم يشهد له أحد معارضة سابقة له في حياته حتى وإن كانت معارضة كرتونية كمعظم قيادات وأحزاب المعارضة وقتها، وكما أن البرادعي ورفاقه لا يستهويهم دور تخوين الأخر قرروا إحتوائه هو ومؤيديه طالما سيكون التعاون في مصلحة الوطن واستثمر موسى الفرصة وبدا للجميع أنه بصدد بداية جديدة مع المعارضة المصرية الجديدة التي تخلصت من الوجوه الكرتونية وبدأت من حيث نهاية مبارك على أيديهم.
ظل عمرو موسى ومنذ إنضمامه لجبهة الإنقاذ عنصر مزعج لقياداتها بسبب تصريحاته المنفردة والتي غالباً ما تخرج عن المسار التي تسير عليه الجبهة، فتارة يستهويه إفشاء أسرار الإجتماعات الداخلية وكأن له حس صحفي يسيطر عليه، وتارة يحاول الوقيعة بين الرئاسة وشخص حمدين صباحي بأنه هو الوحيد الذي يصر على رحيل مرسي منذ أزمة الإعلان الدستوري، وتارة أخرى بتصريحاته الفردية عن أن الجبهة تنتوي خوض الإنتخابات البرلمانية مرتدياً عباءة صوت العقل في المعارضة رغم نفي ذلك من جميع القيادات.
منذ يومين أعلن صاحب الكاريزما عن توقيعه على إستمارة حملة «تمرد» لسحب الثقة من محمد مرسي والدعوة إلى إنتخابات رئاسية مبكرة، بعد أن بدا له أن معظم المصريون قد تمردوا وليسوا أقلية كما كان يتوقع هو ومن هم على نهجه، ورغم أنه قد صرح قبل ذلك بأنه لن يخوض الإنتخابات الرئاسية بعد مرسي إلا أنه أعلن مع إعلانه عن توقيع تمرد أن موقفه سيتغير إن كانت هناك إنتخابات رئاسية مبكرة!
لم يفطن عمرو موسى رغم خبرة السنين أنه سيقع في الفخ الذي نصبه له صاحب الفخامة و البقالة خيرت الشاطر إذا لبى الدعوة خاصة أن البوسطجي المعزول سياسياً مشبوه بموالاته للسلطة، لكن طمعه في الجلوس كوسيط على مائدة المفاوضات المتوقعة في تبعات أحداث ثلاثون يونيو القادمة قد أعمى عينيه وأوقف عقله عن التدبر في الأمر وقرر الذهاب ليكون صاحب كرامات مسبقة وعاد بذاكرته إلى شبابه وتذكر لحظات المفاوضات وحمل أوراقه القديمة في حقيبته المدون فيها أفضل الوسائل للحصول على أعلى المكاسب وذهب إلى الشيطان الذي نسي أنه هذه المرة شاطر، ولم يخبر أو يستشير أحد من قيادات الجبهة التي أحيته سياسياً بعد أن مات ودفن وهال عليه التراب، حتى وجد الفضيحة في إنتظاره على عينك يا تاجر.
خيرت الشاطر فعل هذا من أجل إشاعة الفتنة في جبهة الإنقاذ، متناسياً أن الوضع في الشارع أكبر من أي جبهة وغافلاً عن أن عمرو موسى ومن حوله عبئاً على الجبهة وربما كانوا مصدر بطئ إتخاذ القرارات فيها لأنهم من مدرسة عفى عليها الزمن، وأنه بهذا خدم الجبهة وله جميل في رقاب قياداتها كجميل من دبر لموقعة الجمل في رقاب الثوار التي أعادت ملئ الميدان بعد أن كان قد أوشك على الخواء.
أصحاب نظرية هذا ليس الوقت المناسب لحساب أو طرد عمرو موسى من الجبهة لأن لدينا ما هو أهم في الفترة القادمة .. عليكم أن تصمتوا .. فالثورة لم تنجح في عزل مبارك إلا بسبب التوحد، وفشلت بعد ذلك في تحقيق أياً من أهدافها بسبب الخيانة.