مَثَّل لقاء السيد عمرو موسى مع المهندس خيرت الشاطر، بوساطة من الدكتور أيمن نور، حدثاً مهماً فى الأيام الأخيرة، وأثار عديداً من الملاحظات وكثيراً من مشاعر الغضب فى أوساط قوى المعارضة. وبعد أن أفاضت تحليلات وكتابات كثيرة فى شرح نتائج اللقاء والمراد منه على صعيد بث الخلاف داخل جبهة الإنقاذ المعارِضة، تبقى بعض الملاحظات حول هذا اللقاء لم يتم التطرق إليها بعد.
ولعل أولاها أن المهندس الشاطر لا يزال مصمماً أو متعوداً على العمل السرى الذى قضى فيه نحو أربعة عقود من عمره داخل جماعة الإخوان المسلمين، فالأمر ليس فقط لقاءه السرى مع السيد عمرو موسى، بل، قبله، أن الرجل - الذى كان لبضعة أيام المرشح الرسمى لجماعته فى انتخابات رئاسة الجمهورية قبل أن تستبعده لجنة الانتخابات الرئاسية، ويحل محله الدكتور محمد مرسى، الذى كان من المفترض فى حالة ترشيحه أو نجاحه أن يخرج من عباءة العمل السرى، ويخاطب ناخبيه ومواطنيه من أبناء الشعب المصرى، حتى يتعرفوا عليه ويقرروا منحه أصواتهم - لم يتكرم على هؤلاء من وقتها بأى ظهور علنى أو إعلامى يخاطبهم فيه أو يشرح لهم رؤاه، وما يقوم به من أجل تطبيقها. الرجل من فرط غيابه العلنى، وانخراطه فى أعمال ولقاءات ورحلات سرية يبدو وكأنه «يتكبر» على مخاطبة المواطنين المصريين، وأنه لا يضعهم فى اعتباره، عند وضع سياساته أو تنفيذها، ولا حتى يسعى لتعريفهم بنفسه، وهو يمارس حكمهم من وراء ستار، فهم لا يستحقون منه هذا الظهور لهم أو مخاطبتهم، فهو لا يتعامل سوى مع من يملكون القرار مثله، ويحتلون مواقع مركزية فى التأثير عليه، أما عموم المصريين فهم مجرد ناخبين ليس عليهم يوم الاختيار أو الانحياز سوى أن يختاروه وجماعته، أيا كان الشخص الذى تقدمه لهم.
والحقيقة أن هذا السلوك الذى يبدو أنه صار جزءاً من شخصية المهندس الشاطر لا يقتصر عليه وحده، فهناك من القيادات العليا فى جماعته من يقومون باتخاذ قرارات رئيسية ومركزية فى الحياة السياسية المصرية فى الداخل والخارج، ولا يهتمون أبداً بأن يظهروا على عموم المصريين، حتى ولو من باب تعريف أنفسهم ووجوههم لهم، وهنا تظهر أسماء من قبيل الدكتور محمود عزت والدكتور محمود حسين والأستاذ السيد نزيلى وغيرهم. وإذا كانت هذه الملاحظة صحيحة، وتمتد إلى دائرة أوسع من المهندس الشاطر فى قيادة الجماعة، فالنتيجة واضحة: العمل السرى هو المسيطر، وتجاهل المصريين هو الأصل، والجماعة منحة من الله سبحانه لهم ليس عليهم سوى قبولها، دون معرفة تفاصيلها، وليس عليهم سوى حمده عليها.
أما الملاحظة الثانية الرئيسية فهى ترتبط بالدعاية الكثيفة التى روجت - ولا تزال - لها جماعة الإخوان، منذ ترشح السيد عمرو موسى لرئاسة الجمهورية، من أنه يمثل أبرز فلول النظام السابق، وأنها لا يمكن أن تقبل على نفسها، باعتبارها أبرز قوى الثورة، أن تتعامل معه ومن يمثلهم من «الثورة المضادة». ومضت الجماعة إلى أبعد، هى وبعض حلفائها من القوى الإسلامية فى الشهور الأخيرة، لكى تتهم كل تحرك تقوم به أى قوة معارضة لحكمها بأنهم جميعاً من الفلول، وأن أهدافهم هى تصفية الحكم الثورى للرئيس مرسى، تمهيداً لعودة النظام السابق الساقط. والسؤال المنطقى الذى يطرحه لقاء الرجل الأقوى فى جماعة الإخوان المهندس الشاطر مع الرمز الأبرز للفلول، حسب تصنيفهم السيد موسى: هل الجماعة تتحالف الآن مع «الثورة المضادة»، من أجل حماية الثورة والحكم الثورى للرئيس مرسى؟ أم أن الجماعة غيرت رأيها سراً فى القيادى المعارض، ولم يكن لديها وقت لإعلام الشعب المصرى بهذا الرأى الجديد؟
كالعادة لا ننتظر إجابة من الجماعة التى تترفع قياداتها عن مخاطبة شعب تريد أن تحكمه، دون أن يعرف عنها شيئاً.